ما زالت
تحلم به شمساً تنير دروب حياتها ملكاً يتربع على عرش كلماتها تتنفس من انفاسه وفي عينيه ترى الكون … ما زال يراها قمرا يتلالا في احداقه ..يسكب الحروف لاجل عينيها ويكتب قصائد ﻻ تنتهي عن عطر اللقاء …..
كانت
ترندح اغنيات تضج بالحنين لأيام مضت ملأها الانين تلونت بالذكريات … ورقصت على الحان شجية وعزفت لحن الشوق على اوتار الوجع … ما زالت هناك ..
تنتظر ….
وطال انتظارها …
وما زالت
تحلم هي بالعصفور السري ويحلم هو..
يحلم الاثنان بالعشق ..
يطير بهما في خفقات..تشتعل حرائقهما وتفترش الروح ..وروداً واغصاناً…وباللقاء ساعة مطر
يحلمان بلقاء النظرات
التي تشعل في الروح النار
تبعثر النبض
ويرقص القلب على رعشات الشوق
هناك في عالم الاحلام ….
ويصبح للكون معنى …
سيلفيا نور
——————————-
بدأت الشاعرة هذا النص بأداة نفي و فعل يأبى و شحنة الإنفعال التي تخفيها هذه الأخيرة إلا أن يدوم و يُفْعٓل باستمرار * فعل الحلم *
فالنص عبارة عن شحنة متفاعلة و مخزون عاطفي فجر طاقة شعرية لها قدرة فنية في نقل أحداث و مشاهد تشير لها الشاعرة دون التركيز عليها فتترك للقارئ اختيار تفاصيلها دون الإعتماد على المكان و الزمان و أيضا التعبير عن خبايا الذات الشاعرة و أسرارها و الكشف عن عاطفة قوية تجلت في قصة حب تعيشها الشاعرة .
هكذا و بإيقاع روحي عميق استطاعت الشاعرة التعبير عن إحساسها الداخلي الصادق، معلنة عن الفرح و الحزن معا
و قد استخدمت الشمس كأداة للتعبير عن الفرح ، السعادة و السرور ، عن الدفئ الذي يملأ قلبها .. عن الضياء و النور الذي يتجلى في حقيقة لا يمكن إخفاءها حقيقة الحب الحقيقي و الصادق الذي يجمعها بمن تحب .
محققة بذلك قيمة جمالية تعتمد عَلى تقنية التفاعل النصي فتراه هي شمسا و يراها هو قمراً :
ما زالت تحلم به شمساً تنير دروب حياتها ملكاً يتربع على عرش كلماتها تتنفس من انفاسه وفي عينيه ترى الكون …
ما زال يراها قمرا يتلألأ في احداقه ..يسكب الحروف لأجل عينيها ويكتب قصائد ﻻ تنتهي
فتقنية التفاعل النصي هذه ساهمت و بشكل كبير في تماسك النص و ترابطه بالإعتماد على تقنية
المتضادات و قد أدت اللغة دورها الفاعل بدءاً من استخدام المركب الإسمي من جهة نجدها استعملت من الأسماء ( الشمس ، القمر ، العصفور ، العشق ، ورود ، أغصان ، مطر ، النظرات ، الروح ، النبض ، القلب ، رعشات ، الشوق ، الأحلام ، الكون ) و يتضاد معها ( حنين ، أنين ، وجع ، انتظار ، حرائق ، نار ) و من الأفعال استخدمت ( تحلم ، تنير ، تتنفس ، ترى ، يتلألأ ، يسكب ، يكتب ، رقصت ، عزفت ، تحلم ، يطير ،.. ) يقابلها ( تنتظر ، تشتعل ، تشعل ، تبعث) باستعمال المتضادات التي تكمل بعضها لتعطي للنص تفاعل و معنى و أيضا باستعمال الأفعال المضارعة التي تعبر عن حاضر الحال و استمرار الحالة التي تعيشها الشاعرة و أيضا تدل على تجدد الفعل و تناميه ، بهذا يتماسك النص و يكتمل محققا انسجاما محكما و ترابطا قويا بين المفردات على مستوى التركيب فكل جملة شعرية تعتمد على نظام لغوي يحقق تعدد الدلالات و سيرها في خط تعبيري متكامل و لا متناهي محققة قيمة جمالية تجعل القارئ لا يحس بالنفور أو الملل بل يعيش أحداث
النص بكل تفاصيله بشوق و حب .
اعتمدت سيلفيا نور في تجربتها الشعرية على مجموعة من الوسائل التعبيرية كاللغة و البناء الدرامي .. و بما أن الوجع و الحلم شكلا محور التجربة الشعرية فإن طابعهما جاء غالبا و مهيمنا هيمنة تامة .
و قد تكررت لفظة حلم في النص للدلالة على أهميته فعندما لا يتحقق من الحب سوى أمنيات ضائعة و ذكريات قديمة لا تكاد تنسى حتى تُوقٓدٓ نارا لا يُمكن إطفاءها و تزداد توهجا و اشتعالا يلهبُ المشاعر و يحرقها فإن الحلم حينها يصبح طاغيا و غالبا على الحالة النفسية و الشعورية و بالتالي يصبح تكراره ضرورة و وسيلة لا غاية . و أيضا لم يتكرر فعل * ما زال * إلا للدلالة على الإستمرار و على الديمومة و إثبات الحالة التي تعيشها الشاعرة و حبيبها و هي الإستمرار في الحلم و الإنتظار معا و الأمل في اللقاء .
فالشاعرة لم تصف حبيبها بالشمس إلا لكونها تعتبره النور الذي ينير حياتها و الحقيقة الوحيدة أو الحياة الحقيقة التي تعيشها بصدق في عالم أحلامها بعيدا عن الحرمان و الحقيقة المزيفة التي تعيشها بالواقع .
و وصفته أيضا بالملك للدلالة على رفعة الحبيب ومكانته في نفسها و قلبها و تعلقها به حتى كاد يصبح هاجسا لا يفارقها . فنجدها الآن تحدث نفسها أو تفكر بصوت مرتفع ، تُسمِـعُ نفسـها و تُسمِـعُ الآخر ما يدور بداخلها و ما تحسُّ و تشعر به ، تتحدث عن كليهما ( هو = الحبيب و هي = الشاعرة ) و عن الحب الذي يجمعهما عن الأمل و الوجع و الإنتظار مشركة الآخر ( القارئ) و كأنها تأتي لتعترف و تخفف عن بعض من أوجاعها و تتحدث قليلا و لو في بضعة أسطر عن حياتها ، ماضيها و ذكرياتها .. عن مشاعرها و حبها في قالب اعترافي يغوص في أعماق الذّات الشاعرة التي تأمل بالمستقبل و ترصد الحاضر دون أن تنسى ذكر الماضي .
فجاء النص صادقا ، شفافا استطعنا من خلاله الغوص في الذات الشاعرة و كشف بعض أسرارها
و النظر في خباياها و مكنوناتها … إذ تأتي الذات الشاعرة و دون وعي منها للتعبير عن مشاعرها بصدق و موضوعية مايؤكد درامية النص وحركيته ، و اعتمدت الشاعرة في كتابته على الإرتجال فاتحة قلبها للقارئ ليرى ما بداخله و من يتربع على عرشه ، حالمة ، آملة .. و منتظرة .
يغلب على حياتها الهدوء و الإنتظار ، البرود و الإشتعال ،..
معا ينتظران يوم اللقاء تحت المطر ليطفئ نار الشوق التي تكاد تحرقهما .