إنه نمط جديد وطريقة جديدة في الحديث عن الحب ، كيف لا يُكتب بطريقة مختلفة إن كان حب الثريا من نوع خاص، حب لا يعرف الأنانية.. إنه حب الكل للكل لا يمكن للطرف الثاني -الثريا- أن يبقي لنفسه شيئا أو يبخل بشيء.. إنه عطاء دون توقف، تفهم، و حسن معاملة، هكذا يكون الحب وهكذا تكون المرأة عندما تكون حنونة، تسهر على راحة الغير وتعطي بلا حدود.. إنه حب في إطار القيم والضوابط..
هكذا يدخل الكاتب محمد مرحلة النضج الكامل بذاته والآخر على أرض الواقع بعيدا عن تلك الأخرى التي تزوره بالأحلام وتطفو فوق رقعة الرواية، تظهر وتختفي بين الحين والآخر كلما اطلق العنان لمتخيله الفكري يسوقه إليها كلما دعت الضرورة لذلك.
هذه المرة كتب الأديب محمد صوالحة بطريقة يقتحم فيها خلوة المتلقي وكأنه هو من يكسر زجاج الوحدة التي ندخلها كلما فتحنا كتابا للقراءة، يطل علينا ليضيء ركنا اعتدنا الإنعزال فيه ليتسنى لنا القراءة في هدوء هكذا ندخل عالم الرواية الذي وضعه أديبنا محمد بين أيدينا لكننا هذه المرة نتفاجأ به يقتحم عوالمنا و يكسر النمطية التي اعتدنا قراءتها في الأساليب المختلفة للكتاب العرب.
و بأسلوبه الشيق الرصين وسرده المتسق يدخلنا سياق أحداث بل أفكار برأسه سبقت الأحداث، أفكار تنمو شيئا فشيئا برأسه ويفجرها داخل عقله المفرغ من أي شيء إلا من تشويش أصابه وأحدث عنده صداعا يكاد يفجر رأسه (رأسي مفرغ من كل شيء ، مشوش الأفكار ، أحاول أن الملم حطام روحي ، وأشلاء قلبي المتناثرة على هيئة نبض..)
صورة فاطمة بين يديه تحدِثُ في نفسه اللَّامتوقع، تأخذه من نفسه من تشتته و من صيامه عن الكلام، عن الأكل وعن النَّاس ، عن ممارسة الحياة، من تكون هذه الشخصية التي تشرق فيتوهج قلبه وروحه معا ؟
ولما يقول أن الثريا لو استطاعت لمزقت صورتها ؟
لما يتساءل عن الفرق بين الإنسان والآدمي ؟
إنه سرد للأحداث في هيئة صور تنكشف فتكشف بعض الكمائن الخفية في الذات.. بعض المشاعر ، الأفكار و المشاهد التي ربما بالواقع لا يلقي لها الإنسان بالا لكن الكاتب يتحدث عنها بطريقة تضفي عليها أهمية كبرى ليس لأنها ليست مهمة لكنها مهمة ولا ننتبه لأهميتها.
الكتابة عند محمد صوالحة هنا بهذا النص *مما الهرب* عبارة عن أجوبة لأسئلة بذهن الكاتب لم يسألها لنفسه ولم يتسنى له السؤال.. ولوعيه الذاتي المعقلن للأمور أجاب عنها دون سؤال.
وهذا يجعلنا نتأكد من أنه في السرد لا مجال للعبثية و لا للحشو بالحكي، لا مجال للزيادة ولا للنقصان. إنها كتابة بضوابط متقنة لا مجال فيها للخطأ.