قراءة في ديوان الاقحوان المهاجر (سرابيات) لعائشة ابو حسان / بقلم : الناقد أحمد دحبور

كيف يمكنك النظر إلى حاضرك الشعري أو ماضيك دون أن تضعهما متجاورين في صورة واحدة ؟
وكيف تتأمل بداياتك الأولى , أعني ذلك النمو المتعثر حيناً والمزدهر حينا آخر؟ بمعزل عمن سينببؤك في النضج أو العذاب ؟
كيف نتأمل ذلك كله بعيداً عن أولئك الذين عشت معهم سحر البدايات ذاتها أو القلق ذاته ؟
الإقحوان المهاجر ( سرابيات ) لعائشة أبو حسان
ما بين لغة النص المفتوح على شرفات الوطن وإرتكازه على نقطة تائهة في غياب بوصلة الحب تشي عائشة بحيرة معانيها , وتشعل الحيرة حيرتها هي نفسها لمعان عيشتها الإنسانية من ,, اناة عشب الحياة والحياة في أوجه معانيها كأنها تحجل الكلام وتصطاد مفرداته وترمي جنها الأبيض الأقحواني وتنثر الكلمات وترمي معانيها ظمأً في حلوق العشاق وتشعل ما أطفئته السنون فياف ظل يتكاثر فيها العوسج البري الجارح ولتحيله عائشة نرجساً في حدائق أعيننا وتفتح بتلات كلماتها وتطهرها من السم الرعاف
الدخول الى عوالم الأقحوان المهاجر يقتضي بنا المعرفة أننا امام كاتبة جاءت من البادية الفلسطينية كظبية ترقص بالكلمات لحناً ويغني لها الحادي ويعزف على ربابته روحاً وجسداً ولهاثا ظبية ترسم لوحاتها وتفرش الارض وردا وتغرد عشقا وترسم شاطىء الغرام ليمتد من حضن الشوق الى طرقات النجوم وعنان السماء ومن رحيق النشوة تشي بعطورها على رصيف الزمان مسافة أنفاس ونبض قلب وشريان ,, أجل تضوع كلماتها وأشعارها ببراءة الأطفال وترسم حلمها وحلمنا ليرفرف فوق سماءات فلسطين والاردن والعراق والشام وتحلق كنورسة في سماءات سرابياتها سرابيات الحب والشوق والأنتظاركاسطورة تتسلل الى صمتنا وتغتال حزننا وتغرقنا في بحر من العشق ,, تكتب بعفوية مفعمة بالشفافية وتلملم أوراق الروح وتكحل جفوننا بعود الزيتون ,, شاعرة حددت هويتها الطبقية بانحيازها للفقراء والكادحين وابناء المخيمات هؤلاء الفقراء الذين يتعففون الطعام مللا تراهم تحب ابتسامتهم وحنوهم وهم مطروحون على ارصفة الطرق ,, شاعرة مشحونة بحماسة حسها القومي وترتقي الى سخونة اللحظة وتجعل من الكلام رمزا للحرية والمقاومة والانعتاق ,, تنحاز الى طفل غزة .. فهو كما الارض والسماء لا يموت وهو روح تبقى لترعب انفاس الجبناء ,, ترسم لوحاتها بماء القلب وانفعالاته وفي فضاء من التداعيات الغامضة شبه الواضحة تغني فيها لغة العصافير وترسم بضوء قزحي بعض ملامح لغتها وتنداح تراكمات المعنى في مزيج من الخيال الواقعي والوجداني والوجودي الانساني
أكون بك كما كل مراكب الوجود
كالبحر تحرسه الشطآن
وكالموج يطوي مياهه .. ويسترخي بانتشاء
بهذه المساحة الشعرية من اارض ديوانها المفروشة برمال الوطن ورمال الحبيب تزهر قصائد وخواطر عائشة بالحلم وتمطر الكلمات لتغسل عينيها من الحزن وتطفىء عطشها بلقاء الحبيب وهويوقظها ويبعثرها ويشي لها بأمل جديد فتكتب كلمات ليست كالكلمات .. عناق في ليالي السهر .بين النجوم وعلى حواف القمر قبلاتنا طعام للطيور , فمن خلال هذا الغناء الروحي الشجي نرى الحان الحزن والفرح تتلألىء على اهداب الحروف بوح يزهو به الشعر صدقاً وإحساس , وتلوذ الكلمات سهوا او حنينا الى صلوات المتعة والعذاب لتفتح بذلك نوافذ القلب وضوء القصيدة لاسراب الطيور المسافرة في ذاكرة الشاعرة وتحلق على الاغصان الورفة لحاضر وقادم يستشرف بالحلم الجميل
ما اعرفه عن عائشة تكتب ولا تعرف ماذا يعتمل في داخلها هي في حالات الهذيان ولكنها في النهاية تكون مجموعاتها النصية رسائل ما , شفرات بدأت بالألق القومي والانساني وتدفقت بوهج الحب وموائد العشق ويبقى على موائد عشقها واحتراقها وآلاامها وآهاتها قلب مولع بالنبضات ينثر حكايات عاشقة . نحن امام كاتبة تعرف ما يهمها وما يكفيها
في النهاية ان هذا الديوان لا يخضع للتصنيف الادبي الكلاسيكي اذ لا يمكن ان نعده شعرا موزونا او نثرا سرديا خالصا بل مجموعة من الخواطر والمشاعر والافكار والومضات صاغتها الكاتبة بوجدانها ومعبرة فيها عن فلسفتها وحسها الوطني وروحها المشبعة بالحب والحلم قالت كلام وصل الى قلب المتلقى ودغدغ مرافىء الشعر تتكلم بضمير المتكلم ولكن ثمة ملاحظة في تكرار المفردات اللغوية وتكرار في شكل الصياغة في بعض المراتب ومباشرة تقريرية في الجزء الاول الاقحوان المهاجر ما ادى الى نوع من الضعف
ولكن في الجزء الثاني تتدفق الرومانسية كنهر ملتوي ولكن يعرف في النهاية مصبه والرومانسية تومىء بأن الشعر ما هو إلا نبض تلقائي أي مهمة الشاعر تتحقق كما قال وردزورث في تسجيل كافة الاحساسات والأنفعالات الذاتية التي تنهمر بشكل عفوي دون مراجعة ,, هي البدايات لهذا المولود الذي ينبأ بالافضل والأكثر ابداعا في بداية كل مولود يكون الارباك وتكون الرجفة وتختلط الامور ويريد الكاتب ان يلقي بكل حمولته ويضعها بين ثنايا كتابه ,,, غداً اقحوانيا يحلق في سماء الابداع يا عائشة ابو حسان

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!