ثورة الماعز
فتحت الباب. سواد من الماعز يصرخ معا:
“أخرج لنا كتبك نأكلها.”
أمس، أكلني اليأس فرميت بكتبي إلى القطيع، ولا تسل عن سعادتي وهي تحدث فيهم ذلك النّطاح والصّخب!
“أيّها العظيم، لقد غيّرت ما بأنفسنا. بك عرفنا معنى الحرّية. وبك نثور على ذابحينا…”
بكيت… قلت في نفسي: ليت قومي يعلمون.
الحقيقة
ابنتي في الخامسة من عمرها، تحبّ الفضاء. كلّما جنّ اللّيل وازيّنت السّماء بقناديلها، دخلت بين ذراعيّ، قالت:
“أبي، سافِر بي في السّماء.”
“تشبّثي بي، اغلقي عينيكِ… ها أننّا نرتفع، فماذا ترين؟”
“بيتنا يبتعد، إنّه نقطة. صار لا شيء. قريتنا، وطننا، قارّتنا، الأرض، النّجوم، الكواكب، المجرّات… مجرّد نقاط لا تكاد تُرى…”
تفتح عينيها، تتشبّث بي أكثر، تسألني:
“أبي، هل نحن لا شيء؟”
الدّور لي
العدوّ على الأبواب، وأنا وإيّاه في جبهة واحدة..
كلّما تسابقنا إلى العطاء، استأثر به دوني. يخرج من جيبه درهما ويرمي به في الفضاء، حتّى إذا سقط على أحد وجهيه قال ضاحكا: “الدّور لي”. أقول غاضبا: “ثمّة حيلة مّا.”
قلوبنا في حناجرنا والموت يأتينا من كلّ مكان. ثّمة ثغرة لا يفتحها إلاّ بطل واحد. انطلقنا معا. أوقفني، وكالعادة رمى بدرهمه…
ولوعة الفراق تأكل من كبدي، تأمّلت درهمه في كفّي، قلّبته، كان يحمل الوجه عينه على الجانبين.
“الدّور لي”. رنّت في أذني، فانفجرتُ باكيا..
غيمة
نظر إلى غيمة في سماء خياله، فقال هذه قصّة..
جهّز ورقه وقهوته، ولبث ينتظر في صبر الصيّادين..
تجهّم وجه السّماء ثمّ ابتسم، ثمّ تجهّم ثمّ ابتسم، لكنّ الغيمة مرّت على أكفّ ريح مجنونة…
مزّق ورقه وقال في نزق: تلك غيمة كاذبة!
حصاد
إنّي أكرهكم فانصرفوا. أمّي، أبي، أخواتي، إخوتي، كلّ النّاس، أكرهكم وأكره نفسي. بكم احترفت التّفل على وجهي كلّما نظرت في المرآة. لا شيء يدلّ على أنّي أنثى، هكذا أوحت لي كلماتكم المنتنة، وهكذا أنبتت في داخلي الشّوك…
*****
عندما دخلت في روبها الأسود، خفت اللّغط في قاعة المحكمة إلى أن سكت تماما. تهامس بعضهم: “يا ساتر يا ربّ!”. “إنّها وحش في ثوب قاضية”…
*****
شيخ طاعن في السّنّ يرفع يده بالدّعاء: علِمت يا ربّ أنّها لا تبرّ بي وأنا والدها. اللّهمّ…