القائـــــــــــــد
السّماء تشتعل، والأرض تحترق.. حينها برز القائد العربيّ بوجهه الأسمر وقامته المديدة، في يده سيف صقيل، وعلى صدره درع قديم..
تبختر في مشيته أمام جيشه المرصوص.. خطب طويلا:
“اثبتوا… سنرميهم في البحر…”
وانبرى إلى العدوّ صارخا بأعلى صوته، ملوّحا بسيفه في الهواء:
“هل من مبارز؟”
أجابه العدوّ بقذيفة ذكيّة اقتلعته من مكانه ولم تنسفه!
الغامض
مذ جاء من إيطاليا بعد غيبته الطّويلة وهو في قلق. قليل الكلام، شارد الذّهن، زائغ النّظرة، فاقد الشهيّة لكلّ شيء. كلّما اقترب منّي انطفأ أواره سريعا، وتركني معلّقة في نصف المسافة. أحيانا كان يحضنني ويبكي، وأحيانا أخرى يحتضن ولدينا ويبكي.. أسأله فلا يجيب، دائما ما أشعر أنّ قسماته تحمل خوفا مّا..
كثيرا ما يفيق من نومه مخطوف الوجه مرتجف الأعضاء.. يحدّثني عن الكابوس الذي يلازمه:” أراني أشوي أكبادا ثلاثة…”
أسأله عن عمله في إيطاليا فيتغيّر لونه ولا يجيب..
ذات ليلة انخلعت أبوابنا ودخل علينا ملثّمون.. جمّعونا قهرا.. تلّوه للجبين… فاشتوت أكبادنا.
الغصّـــــــــة
رأيته، ليتني ما رأيته.. عشرون عاما وهو ماثل في خيالي كالوجع.. ما زال كما عهدته مترامي الأطراف، عظيم الرّأس، قويّ الزِّند، في وجهه نضرة النّعيم.. لم يتغيّر منه إلاّ ذاك الذي على كتفيه، من خيط يتيم إلى نجوم تشتعل مع الشّمس. الآن صدقّت أنّنا نعيش أكبر كذبة. نحيا وهمًا مخدِّرا، فإلى متى؟
في ذلك الزّمان، أذراني عاريا، وأشار إلى زجاجة خمر قائلا: “اجلس عليها طوعا أو كرها”. ثمّ أردف ساخرا: “حُرّم عليكم شربها بالأفواه، فاشربها إذن بدبرك”…
ووجدتني أترصّد حركاته… ذات فرصة استللت سكّيني وهممت به، فجأة برزت ابنته الصّغيرة تنطّ كالفراشة.. ارتجفت يدي… أدركت إنّي وإيّاه لسنا من طينة واحدة.
الغِـــــــــلّ
الشّمس تغرب في عين حمئة.. حيث لا أحد، كان وإيّاه يغذّان السّير شمالا صوب المضارب. كان يتقدّم جَملَه بخطى منهكة وفي يده خطامه، بغتة أحسّ بهواء ثقيل يهوي عليه من الخلف.. إنّه الجمل يصول…
*****
أمّه: آه، خرج فجرا…
عمّه: رأيته يشقّ شاطئ الملح، والشّمس قطعة من جهنّم..
أبوه: أنا القاتل، أوفدته وحيدا ولمـــــّا يخبر طبائع الإبل.
شاهد: رأيته يغلو في ضرب جمله. قلت إيّاك وغِلُّ البعير.
أخوه: اقتفينا أثرهما، وجدنا ثيابه مفرّقة على الشّجر.
شاهد: سمعت رُغاءً.. اقتربت، فإذا الجمل يطحنه بصدره.
سمّ الخياط
أرسل بصره إلى بعيد، فتراءت له الدّنيا غائمة في سراب بقيعة.. نظر إلى كفّه، إلى خطوط قميصه، فخيل إليه أنهّما يغرقان في هالة من ضوء مختلفةٌ ألوانها.
تنهّد تنهيدة حرّى. قال بصوت محشرج:
“الموت أحبّ إليّ من العمى.”