هاشم خليل عبدالغني – الأردن
القصيدة : –
ضياع
يرحل عشقي صوب الرياح
تضيع خبايا الربيع بصدري
وينكسر الضوء بداخلي
يعتقل الصباح ملامحي
تحملني إلي المنفي
البعيد
العق صمتي أحاول البداية
فأمد يدي لينساب طيفك
بمفترق الحكايا أفتش عنك
يتسع صدري بهوة الوجع
تنفض رنين الأماني فبتململ
وصلك ويتوارى عني
فتمضي تمضي تمضي
ولا تنتبه لعطبي
قالوا عن الضياع :
- من لعب بعمره ضيع أيام حرثه ومن ضيع أيام حرثه ندم أيام حصاده. – سفيان الثوري .
- وأبحث عنك كثيراً .. كثيراً فأنت الضياع وأنت الطريق – فاروق جويدة .
- أحببتها حتى النخاع .. حتى الضياع – نزار قباني .
في قصيدة ” الضياع ” للشاعرة جيهان بالعربي استوقفني عنوان القصيدة ، فهذا العنوان يحمل إحساسا بالحزن الشفيف توغلت الشاعرة من خلاله في التعبير الحارق عن الذات ، فقد أفرغت فيه شحنة كبيرة من الوجد والعواطف الملتهبة تجاه الحبيب ، الذي تبدو فيه علاقة الحبيبين في هذه القصيدة على قدر كبير من القسوة والجفاء … أفرزت قلقاً واضطرابا نفسياً وبالتالي ترتب على ذلك حالة من التوهان والضياع .
الضياع شعور بالشيء ونقيضه ، الحنين والنفور الرغبة وفقدانها والوجود واللاوجود… إنه تشتت ذهني …الضياع قوة تشدك نجو جهات متعددة ،فلا يعلم الضائع أين يذهب ولا من أين يبدأ ؟ .
الشاعرة جيهان بالعربي تتحدث في مطلع قصيدتها عن الحالة النفسية لمن يحس بالضياع ، وأبرز مظاهره الحالة ، الحرمان والتشتت الفكري وغياب الهدف والشعور بالوحدة إلى جانب الإهمال .
تشير الشاعرة إلى أن عشقها الشديد الذي تعلق قلبها به وأحبه حباً شديداً ، رحل صوب المجهول واختفى وتوارى
وسط رياح الخلاف والفرقة .التي نسفته بتقلباتها المتعددة .
فتبدد واختفى وضاع ما أكنه من مشاعر وأحاسيس بقلبي للحبيب ، وأصبت بصدمة عاطفية وشعرت بهزيمة قاسية ، فانطفأ وهج العشق بداخلي ، وأصبحت سجين داخل ذاتي داخل جسدي خوفي وهواجسي سجين داخل عقلٍ خالٍ وقلب متهرئ تطاردني آلامي .. هذا الانكسار حملني إلى المنفى الموحش خارج ، في المنفى لا املك ظلي (حبي ) الذي كنت أستأنس به ، في المنفي البعيد لا حبيب أخبره عن أحلامي البعيدة وأفكاري الساذجة .
ضياع
يرحل عشقي صوب الرياح
تضيع خبايا الربيع بصدري
وينكسر الضوء بداخلي
يعتقل الصباح ملامحي
تحملني إلي المنفي
البعيد
في المقطع التالي تتحدث الشاعرة عن الشعور بالضياع ، ضياع الحب الناجح ، وفقدان الهدف بالوصول لحب يسوده الود والتفاهم والثقة والترابط والاحترام ، هذا الضياع امتد ليشمل جوانب متعددة من الحياة .
نتيجة حالة الاضطراب الناتجة عن هذا الضياع ، تحاول الشاعرة التغلب والتخلص من هذه الحالة ، فتحاول جاهدة التخفيف عن نفسها ، بإزالة ما أصابها من ضرر ، وامتصاص جراحها النازفة … من أجل ذلك .. تبسط الشاعرة يدها في محاولة منها ، عند مفترق الطرق وساعة الحسم ، تخاطب الشاعرة الحبيب : لندع أحلامنا الأساسية تسيطر على تفكيرنا لإعادة مياه العشق لمجراها الطبيعي .
العق صمتي أحاول البداية
فأمد يدي لينساب طيفك
بمفترق الحكايا أفتش عنك
عن أحلام لا تشبه روحي
في المقطع الأخير من القصيدة تجمع الشاعرة ” بالعربي ” بين عوالم شتى ( الوجع والأماني ، الوصل والعطب ) فتميز النص باتساع مدى المعاناة لهذا الشجن الذي يجمع قلب الشاعرة والأمل البعيد الذي خفت شعاعه .إلى أن تلاشى ، وكأن الشاعرة تتساءل ، كم قضيت من العمر كي أحققه ؟ ولكن ليس بالأماني تتحقق الأحلام .
تصف الشاعرة حالتها النفسية قائلة : بأن مساحة صدرها تزداد وتتوسع كلما ازدادت وتعمقت حفرة الألم والأوجاع ، هذه الهوة أسقطت وأزالت رغبتي المرجوة وكل ما أتمناه من عشق مفقود ، لقد توارى واختفى رفقك وعطفك وحبك المعهود فابتعدت واتخذت قرار الفراق والقطيعة ، دون أن تفطن و تدرك ما أصابني من ألم وتوجع لهول معاناتي وما سببته لي من أحزان . .. ( فما قتلني قلباً وهبته حباً ، فأهدىني جرحاً وهجراً وجفاً ) .قال الكاتب “ باولو كويلو ” : إياك ومُطاردة الحُب ، فهو إن لم يُعط بحُرية ، فلا قيمة لهُ.
يتسع صدري بهوة الوجع
تنفض رنين الأماني فبتململ
وصلك ويتوارى عني
فتمضي تمضي تمضي
ولا تنتبه لعطبي
نلاحظ أن الشاعرة “جيهان بالعربي ” استخدمت الفعل المضارع في القصيدة ( يرحل، تضيع ، ينكسر، يعتقل ، تحمل، العق ، أمد ، يتسع ، تنفض) للدلالة على حدوث فعل (الضياع) في الزمن الحاضر ، كما أن للفعل المضارع هنا وظيفته معنوية أي اكتساب دوام الحياة للحدث ـ أي استمرارية حالة الضياع ـ .
شفافية الشاعرة الوجدانية غالبة على شعرها، ما يجعلها شاعرة رومانسية بامتياز .
وأخيراُ نؤكد على ما قاله الكاتب الكبير محمد صادق: قيل فيما مضى أن الحب عادة يصاحبه الألم ، لم يعرفوا أن البشر هم الجناة .