منذ بداية القرن المنصرم استطاع المثقف العربي ان يجد البنية التحتية للتعبير عن نفسه وبيئته وفكره من خلال انتشار الصحف والمجلات الورقية وبعدها المحطات الاذاعية حتى يومنا هذا بازدياد حلقات التواصل بينه وبين الجمهور من خلال انتشار الحواسيب ثم الانترنت والمواقع الالكترونية حتى شبكات التواصل الاجتماعية التي ساعدت جدا بالتقريب والتسريع من التقاء المثقفين وتسويق منتجهم الفكري والابداعي .
الايديولوجيا وهي باختصار العقيدة الفكرية او القناعة الفكرية لتيار سياسي او اجتماعي او حتى جغرافي حيث تؤسس مجموعة من المثقفين مسارا فكريا يمينيا او يساريا او فلسفيا تستقطب فيه القراء والمتفقين معهم بهذا الطرح والنهج بشكل مغلق او متسع لكنه غالبا ما يكون منظوره وابعاده لا تحقق الحقيقة او وجهات ورؤى متعددة الطرح والاحتمالات, فتمارس دور الاحتكار في النظرة للأحداث والاشياء من وجهة نظرها فقط مما يؤدي الى المحظور دوما وهو اغلاق الابواب بوجه الفكر الاخر والحوار المرن الذي يحرر الانسان من التعصب ولغة الاقصاء التي تشعل نار التفرقة, والغوص في سفاسف الامور او جعل النيل واثبات اسقاط الفكر المغاير من ابجديات هذه الفئة مما ينعكس على المجتمعات والافراد وتصبح التيارات اقل تأثيرا على الحالة السياسية والاجتماعية مما يعطل عجلة النمو والاصلاح المجتمعي داخل الوطن او على صعيد الامة بشكل عام فلربما تصبح الايديولوجيا لها منافذ ربما غير معلنة مثل الطائفية والمناطقية التي بأبجديتها رفض الاخر فقط دون الالتفات الى مقومات المثقف الفكرية والابداعية لذلك نجد رغم عظمة اللغة العربية وجماليتها غير انها لم تسوق مبدعيها ومفكريها كما يجب عالميا وانحصارهم في مربعهم العربي لذلك نتحدث عن القاب وحقائق واقعية فكرية وابداعية كان لتأثير الايديولوجيا على ابرازها او اقصاؤها متجليا بالمشهد العربي .
المثقف العربي حيث العاطفة الجارفة ما زالت بيئته تحمله حتى وان كان مؤهلا للانطلاق نحو فضاء المعرفة الخارجية فتسيطر عليه المرجعية السياسية والفقر والعادات والتقاليد والبيئة المكنية والزمانية ليجعل من عالم المعرفة والابداع نصا مباشرا واقعيا يتناول دائرته وقلما يخرج من عباءات ردة الفعل والنقد المبني على مفاهيم ومصطلحات المعاجم من مئات السنوات فلربما يحتاج لعمل كتاب لإسقاط كلمة حكايا التي اصلها حكايات كما اضاع كثيرا من المثقفين جماليات اللغة باحثين عن مسميات للأجناس وتداخلها وهل القصيدة النثرية قصيدة كما التفعيلة والعمودي من الجهة الابداعية كما هي من الواجهة الفكرية فاستطاعت السياسة ان تاخذ دورا بارزا من خلال المال والمناصب لتجعل من المثقف العربي امام خيارين الفقر او الشهرة والمنصب او واحدة من اثنتين لذلك تناثرت المصداقية ولم تجعل هذه الامور مصداقية بين المفكر والباحث والمجتمع الذي بدوره يسوق منتجه الفكري بناء على ارادة السلطة مما جعل الشخصية العربية العلمية اكثر نجاحا من الشخصية المعنية بالشأن الثقافي .
الاعلام العربي اكثر المحاور التي ساهمت في بطش السياسة والمال على صالح المثقف العربي مفكرا وباحثا ومبدعا فعملت على زرع الاقليمية والقطرية والطائفية ليبقى المثقف العربي يغرد وحيدا دون اعلام ومؤسسات ترعاه فعلى مستوى الوزارات تعتبر وزارة الثقافة في الدول العربية من الوزارات المتعثرة ماليا واداريا وغالبا ما تكون من الوزارات المهمشة مع انها في العالم المتقدم تعتبر من الوزارات السيادية والتي يتشعب منها اقسام لوزارات التربية ووزارات التعليم والخارجية ومن جهة اخرى جعلوا انتشار المتناقضات في المؤسسات الثقافية المنتخبة بأسماء عديدة متشابهة مما يساهم في تشتيت الجهود والاموال مما يجعل من المثقف حلقة ضعيفة يبحث عن ذاته وتحقيقها خارج العقل الجمعي فلا يستطيع ان يؤثر او يقرر وتتفاقم بين المثقفين في كل حال نزاعات فردية وجماعية تجعل منه لاهثا خلف الفتات في واقع لن يجعل منه قادرا على بناء ارادة ومشروع نهضوي متكامل وجمعي .
كاتب من الأردن