بقلم / الروائي محمد فتحي المقداد ( عمّان – الأردن )
عنوان الرواية (بنش مارك) غريب نوعًا ما، والمقصود به نقطة ارتكاز في علم المساحة تكون كمرجعية ذات رقم معروف لدى المسّاح. وهو ما يعرف في سوريّة ب (حجر المساحة) وهو الحدود الحقيقية للعقارات والأراضي.
النقطة المرجعية تكون معلومة الإحداثيّات ومُثبْتة بشكل يصعب التلاعب بها؛ ليرجع لها المساح في كلّ أعماله مُنطلِقًا منها.
جاء العنوان من صميم عمل الروائي (توفيق جاد) كمسّاح للأراضي والعمل مع الشركات الإنشائيّة، ومن ثمّ في الدوائر البلديّة في محافظة إربد.
*
فكرة الرواية طريفة في طرحها لفكرة المساحة التي لم يُلق عليها الضوء الكافي، وفي أوّل محاضرة في المعهد المساحي في عمّان أكّد الدكتور على: (المساحة أمانة)، لأنها تحق الحق بتمامه وكماله، وتحفظ الأملاك، والمسّاح بهذه الفكرة يكون كالقاضي العادل.
*
من خلال متابعتي الرواية من ولادة فكرتها، وظهور الفصل الأول، أقول بأنّها في كثير من أجزائها تُعتبر سيرة ذاتيّة للروائي، حكي فيها عن طموحاته الدراسيّة في جامعة (أكسفورد) التي تحطّمت على صخرة الفقر وصعوبات الحياة.
وتحوّل إلى دراسة المساحة إثر لقائه بصديق زرع الفكرة في رأسه، وكان أن انتصرت على الفشل في الوصول إلى (أكسفورد)، وتحقيق النتائج الأفضل دراسيّا بالمراكز الأولى في المعهد.
*
بداية الرواية كانت انطلقت من البيت في الرصيفة إلى مدينة عمان. وفي مطعم شعبي وبطريق الصّدفة البحتة بين (يزن) الذي تعرّف إلى صديق طفولته(قيس) بملامحه المختزنة في ذاكرة رغم التغيّرات الظاهرة عليهما.
في مقهى السنترال في عمان تحادثا وتواعدا بلقاء آخر الأسبوع القادم، وكان أن أهدى (قيس) روايته (بنش مارك) إلى صديقه يزن، وقد وثّق فيها سيرته ودقائق حياته.
يعني أن أحداث الرواية قرأها (يزن) و أخبرنا بما جرى وصار، ليعود في آخر الرواية ويلتقي بصديقه (قيس).
*
في رواية (بنش مارك) كان فيها العديد من نقاط الارتكاز:
** بيت يزن في مدينة الرصيفة، كان نقطة الارتكاز الأولى التي انطلق منها الحدث الأول، وخروج يزن لشراء مروحة بعد التي كسرت.
**
مدينة عمّان نقطعة ارتكاز مركزيّة، انطلق منها إلى نقاط ارتكاز ثانوية فيها. تتجلّى فيها جاذبيّة المكان المُترَع بذاكرته التاريخيّة والحضاريّة، العابقة بإرث كبير مُحفّز على التفاعل الإيجابيّ على محمل ذاكرة الروائي (توفيق جاد) بتوصيفه الدقيق لشوارع وأحياء وأبنية وساحات المدينة، وأخذ معه القارئ الذي لا يعرف مدينة عمّان في جولة تعريفية تضيء ذهن القارئ، ليتحرّق شوقًا لزيارتها.
**
شجرتيْ التين والزيتون الفاصلتين بين قطعتيْ الأرض للأخوين؛ بناء على رغبة الجدّ عندما قسم القطعة الواحدة بين ابنيْه.
والشجرتان كانتا نقطعة مرجع وخاصة شجرة التين، ونسجت تحتها وحولها أجمل قصة عشق وأصدقها في الرواية.
**
وكثيرة نقاط الارتكاز المرجعيّة في الرواية، وأهمّها على الإطلاق مرجعية الحبّ الأقوى والأسمى بمركزيّتها التي تتّسع للكون أجمع، وهو القيمة الإنسانيّة العظمى بفيضها المعطاء.
فبالحب نحيا.. ونعيش بسلام، وهو نقيض كلّ شيء خلافه أبدًا، ولا وجه له إلّا المودّة والعطاء والسلام والخير والأمان والسعادة و السرور لبني البشر قاطبة.
*
تعتبر رواية (بنش مارك) من المدرسة الواقعيّة في الأدب، وانحازت للقيم الإنسانيّة المشتركة، وهموم وأحلام البسطاء ناقلة دقائق حياتهم بأمانة.
وسلّطت الضوء على المشاعر والأحاسيس لأبطالها، وتشابكات العلاقات الناظمة لحياتهم، والصراع بين الخير والشرّ، والطمع والجشع، وقضية زواج القاصرات طمعًا بالمال وبريقه الذي أغرى الأخ الأكبر باغتصاب جزء هام من أرض أخيه دون رادع من دين أو خُلُق.
وهو ما جاءت على تفصيلاته الرواية بأسلوب شيّق بعيد عن الإطالة المُمللّة
وتدور الحياة دورتها بلا استئذان من أحد، ولا تتوقف عند حدث أو شخص معيّن.