بقلم سماح بني داود
تعلن الكاتبة حنان بوخلالة انخراطها في لعبة جماليات الرواية النسوية العربية من خلال تمكنها من سرد ابداعي منبثق من مخيلة إنسانية تصور الواقع وتجعله يلتحم بما يجول في الخاطر من أفكار وقيم تصور المشهد الحياتي بكل تجلياته منفتحة على نافذة السرديات الحديثة التي تكتسي حركة منهجية متشابكة الأبعاد غير خاضعة لضغوطات الرواية السابقة وما فيها من سرد ملتزم متزمت، باتت سوسطارة رحبا شاسعا من الافكار عبرت عنها بسرد فيه من الفنية والحبكة ما يميزه ومن وصف و حوار ما يجعل القارئ قريبا اكثر لروح الكاتبة التي نقلت مشاعر و حركات فجسدت لوحة متكاملة الأبعاد لحياة جزائرية واقعية بعاداتها وتقاليها و طرق العيش فيها، وفيها أيضا من القصيدة ما يقرب القارئ من التراث الجزائري حيث جاءت أغلبها بلهجة عامية مما يجعلنا ننسجم معها داخل سرد سلس يمس المرأة بدرجة أولى حيث رصد احداثياتها ومعاناتها فأوجدت لها قصصا متنوعة تمرر عبرها للقارئ في كل مرة مأساة تعلقت بشخصية من شخصيات الرواية فكانت خديجة بصورة المرأة الضعيفة المنهزمة التي استسلمت للموت منتحرة تحت تأثير ظلم زوجها ومن هنا تطرح الكاتبة مسألة الذكورية الطاغية على مجتمعاتنا العربية والتي يكون فيها الرجل أقوى وأحق بالحياة من الأنثى
“خديجة هربت من زوجها، جاءتنا غاضبة صامتة………………………. ابتلعها فيضان باب الواد، أظنها سلمت نفسها طواعية للسيول.”
ومن خلالها أدرجت الكاتبة وجهة نظرها الخاصة حول الإنتحار الذي بات عادة المجتمعات العصرية من شباب و نساء وربما أطفال واعتبرته عمل جبان يقوم به صاحبه لضعف نال شخصيته ليكون الهروب الأمثل من مواجهة حقيقة ما عاد قادرا على تغييرها
” أظننا شعب لا يكتفي من القتال”
و لتشير الى الثورات العربية والتي انطلقت شرارتها من تونس بانتحار البوعزيزي
“لا حديث للزبائن إلا عن ذلك الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده”
صورت حنان بوخلالة معاناة المرأة بطريقة سردية جريئة على غير المعهود في الرواية النسوية الجزائرية والعربية حيث تحدثت عن الجسد وأثارت قضية الجنس وممارسة الحب بما فيها من خفايا صعب على غيرها من بنات جليها التحدث فيها بعمل أدبي، فنجدها تجرد المسألة من خلفياتها الملتزمة بالعادات والتقاليد التي تحرم الخوض في كل حديث له علاقة بالجسد، فكانت متصالحة مع ذاتها تكتب بحرية عن معاناة الأنثى الكتومة التي ترضى لنفسها الصمت لايمانها المفرط بأفضلية الرجل عنها.
“الجنس أهم ما في العلاقة، مصيرها مربوط به اما النجاح أو الفشل”
كما تحدثت عن الرغبة والمتعة و مدى تأثيرها في الحياة الزوجية حيث لا تحصل في حال غياب الحب بين الطرفين، فتساءلت بكل جرأة لتطرح جانبا آخر من المأساة ؛
“كيف يمكنه أن يستمتع بينما لا أشعر بشيء ؟”
” صرت أشك أن هناك من تشعر بالمتعة!”
“ما المتعة أصلا؟ ما لونها؟ ما احساسها؟ هل يشبه إحساسي حين أمتع نفسي؟
راوحت الكاتبة بين تصوير لمشاعر الأنثى العربية المحرومة من أبسط مقومات الحياة السعيدة و بين الضغط على سردها في كشف ذلك، فجعلت كلماتها مجردة من الأقنعة اللغوية غير خاضعة لأي لبس من شأنه إبعاد القارئ عن هدفها الحقيقي من وراء كتابة” سوسطارة” هذه الرواية التي جاءت على اسم مدينة تحمل في طياتها وطنا بعادته وتقاليده، بتاريخه و حضارته وأسرار العيش فيه التي كانت تختلف في عيون أهلها.
“لكن العيد في سوسطارة أمر آخر”
رواية يمكننا اختزالها في وطن يبتلع أحزاننا مثل بحر استحالت تجزئته.