وصلني من الصديقة الشاعرة السورية سوسن خضر الشيخ، الكترونيًا، باكورة أعمالها الشعرية ” سراج مطر “، الصادر ورقيًا، عن دار سوريانا الدولية للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق.
يقع الديوان في 130 صفحة من الحجم الأوروبي، ويشتمل على 42 قصيدة تتراوح بين الطول والقصر، ولكن بمستوى فني واحد. وكتبت تظهيرًا له أميرة الكردي، وأهدته إلى ” كل حبة تراب غمرتها دماء الشهداء الأبرار، إلى روح والدي ووالدتي المرصعة بماء قلبي، إلى زوجي واولادي درر عمري، إلى كل من وقف بجانبي وساندني ولو ببسمة “.
وسوسن خضر الشيخ شاعرة رقيقة، مرهفة الحس، متواضعة إلى أبعد الحدود، مخلصة لرسالة الفن والكلمة، وطنية بمواقفها، تعتز بانتمائها السوري، أنيقة الحرف، جميلة الشعور، ماهرة في تطويع اللغة الشعرية لإنشاء صور تنساب في يراع آسر. تعرفنا عليها من خلال ما تنشره من نصوص شعرية ونثرية في بعض المواقع الالكترونية، وعلى صفحتها الفيسبوكية. ولجت فضاء الشعر والكلمة الإبداعية منذ زمن بعيد، إلا انها لم تتعجل بإصدار نتاجها الشعري، كما يفعل الكثير من شعراء هذا الزمان، سعيًا وراء الشهرة الرخيصة والنجومية السريعة، التي سرعان ما تنتهي وتتلاشى. وهذه خطوة صحيحة وسليمة من جانب سوسن، حفاظًا على مستوى إبداعي راقٍ رفيع، وحبذا لو اتبع الجميع هذه الوسيلة، ونهج هذا السلوك السوي.
ديوان سوسن خضر هو قراءة وترجمة لمرايا الروح، وسكب وجداني وعاطفي من أغوار قلبها وخبايا صدرها، يزخر بالعواطف والأحاسيس الجياشة الصادقة، الانفعالية، الانسيابية المتدفقة وجدًا وشغفًا. تتنوع موضوعات قصائده بين الحب والغزل والصبابة والهوى، ولواعج الأنثى، والقضايا والهموم الإنسانية، وتطفح بجيشان العاطفة والشوق والحنين والحزن والشجن. فهي تركز على مناجاة الحبيب، وتحاكي وطنها الجريح، وتغني لدمشق، وتفاخر ببطولات أبنائه بوجه مؤامرة التجزئة والتفتيت، وتسكب حروفها على قبر أمها وشهداء الحرية.
وهي مكثفة، سلسة، منسابة، في غاية الرقة والعذوبة والعفوية الجميلة، والشفافية المرهفة. يدهشنا فيها البوح الأنثوي الإنساني، الذي يدغدغ المشاعر، ويلامس القلوب، ويغذي الأرواح، وما يسمها ويميزها البساطة والوضوح والتعابير الوصفية والبوح الجميل، والصور الشعرية الجديدة الملهمة والمبتكرة، والمعاني الرهيفة الطلية، والموسيقى النغمية الداخلية الهادئة، بعيدًا عن الصخب والافتعال والتكلف والصناعة الشعرية.
وقد أحسنت سوسن خضر في إيماءاتها وإيحاءاتها، والتلقائية في التعبير، والاستناد إلى البساطة الواضحة واللغة الرشيقة مع النغم والموسيقى والتجلي والتخييل الشعري. فقصيدتها جسورة، مباغتة، تشي بموهبة وتجربة حقيقية أصيلة، وبصورة خاصة براعتها في اقتناص وتتبع فن اللقطة البصرية واللحظة الشعورية، وإيجاز مشهدها من الكثافة واللمح والإيحاء. فلنسمعها تقول في قصيدة ” يأتي طيفُكَ ” :
موعدُكَ معي كان كلَّ يومِ
اليوم يأتي طيفُكَ يخترقُ الجدرانَ
.. ينقرُ على نافذتي
يهطلُ الشوقُ على كتفِ نبضي
على زوايا أرصفتي
أعدُّ لكَ وليمةً تضمُّ عينَيْكَ
أخوتُكَ .. وضجيج قلبِي …
ألثمُ خيالَكَ .. تمرينّ بينَ أصابعِي
أضحكً بجوارِ مرآتكَ
يقطفُني الوقتُ كلَّ ضوء
لأطردَ غيابَكَ ..
حيثُ أنْتَ
تمتدّ مساحاتُ لهفتِي
كيف لقلبي .. أن يهدأ
وانا أشهقُكَ كلَّ حينِ
قلبي يستعيرُ صوتَكَ
أستقيلُ من غفوتي ..
أسافرُ معكَ كلَّ حلمِ
تسبقُني مواعيدِي إليكَ
تكسرُ انتظاري
ويحس القارئ لديوان سوسن أننا امام شاعرة لا تعنى كثيرًا بالجمالية الفنية، بقدر اهتمامها بالبساطة وصدق الإحساس، وتجسيد رؤية مرادها وايصال رسالتها للمتلقي.
فديوانها شعري بامتياز، بما يحمله من مشاعر نابضة ومن أسلوب غاية في التناسق ودقة الوصف والتعبير، ومن مقومات بلاغية ونحوية وتركيبية ودلالية. إنه ديوان الحُبّ واللوعة والانثى وانفعالاتها، بكل ما فيها من نبض ومشاعر دفينة. وهي تتكئ في بنائها العام لنسيج القصيدة على أسلوب جمالي بلاغي، رفيع المستوى، ومحسنات البديع والبيان، من تشبيهات واستعارات بلاغية وانزياحات وسجع وجناس وغير ذلك، وتكتسي الاستعارة في نصوصها أهمية بالغة بنوع من الرقة من الناحية الجمالية في بناء الصورة الفنية.
وفي النهاية اهنئ الصديقة الشاعرة سوسن خضر بصدور ديوانها البكر ” سراج مطر ” وتمنياتي لها بالمزيد من العطاء والإبداع والتألق.