اليهود يعودون ثانية الى السينما
تاريخ (المقاومة) الفرنسية .. قصة في قصة
تحية لنقاد السينما
عندما انتهيت من مشاهدة فيلم ( المقاومة resistance ) الذي انتج هذا العام 2020 دراما 120 دقيقة من تأليف وإخراج جاناثان جاكوبوكيز وتمثيل جيسي آيزنبيرج (بدور ممثل مسرح البانتومايم مارسيل مارسو) والممثلون كليمانس بويزي ( بدور اليهودية إيما) وإد هاريس و ماتيوس شواجوفر وادجار راميرز وبيلا رامزي ( بدور الطفلة اليزبيث) .
قلت … عندما انتهى عرض الفيلم واقفلت نهايته المغلقة بنفس الاطار الذي استهل الفيلم به فوجئت بصفحة سوداء مليئة بالايقونات واللوغوات المتعددة الأشكال والألوان والتي تشير الى الرعاة ( السبونسر) الذين تكفلوا بدعم الفيلم وتمويله ماديا وبالتأكيد انها شركات عالمية كبرى، ،أحسست فعلا أن هذا الدعم لم يكن اعتباطيا بل هو مبني على ما هو سياسي بالدرجة الأولى .
اللوبي اليهودي
لأخبركم بصراحة … لم يترك اللوبي اليهودي قصة الفيلم التي حدثت في أربعينيات القرن الماضي خلال الحرب العالمية الثانية ، وما جرى لليهود في المانيا من تصفية جسدية ، تمر بلا تدوين سينمائي بوصفه الطريقة الأسرع تداولا والوصول لفهمها الابلاغي ، لهذا تعاونت كبريات شركات العالم الرأسمالي التي امتدت الايادي اليهودية لها، لانتاج هذا الفيلم الغريب في طرح مديات الصلة بين المقاومة الفرنسية واليهود ، والذي اطلق عليه
( المقاومة).
بالتأكيد … ان كاتب القصة ومخرجها جوناثان جاكوب قد شعر أن تسجيل الواقعة / الحكاية التاريخية لابد لها بل تحتاج الى ان تقدم في اطار فني عال ، وعليه لن يجد أفضل من أن يتناولها عبر سيرة ذاتية لممثل البانتومايم اليهودي الفرنسي ( مارسيل مارسو ) ، ليكون محور روايته المشوقة ليعرض من خلالها ما تعرض له اليهود من عذابات إبان الحرب العالمية الثانية ، على يد الألمان حين أباح هتلر قتل اليهود جميعا .
حكاية استهلالية
كان بالضرورة أن يصدمنا المخرج جاكوب بحكاية استهلالية مصغرة تقود الى الحكاية الكبرى / المحور ، وهي حكاية العائلة اليهودية ( الأب والأم وطفلتهما اليزبيث) الذين تفاجأوا ليلا بدخول الجوستابو الألماني عليهم في شقتهم، وأعدموا الاب والام بعد أن توارت الطفلة خلف جدار في البيت ، وهي تشاهد عملية اعدام ابويها امامها مباشرة .
بعد بدء الاستهلال هذا باعدام الأب والأم في الحكاية الصغرى تلك كونها تمثل نموذجا لتيتم طفلة يهودية ستنظم لاحقا الى عشرات الاطفال اليتامى الذين فقدوا اهاليهم ، حيث سيشكلون محور الحكاية الكبرى المرتقبة، والتي سيرويها الجنرال الأميركي ( باتون) الذي حضر تجمعا كبيرا لجنود وقادة التحالف المنتصرين في الساحة التي كان الألمان بتجمعون فيها ، وقد نصب له مسرح كبير وسط الساحة ، حيث يشير لهم في خطبته الى ان الشجاعة والجبن مفهومان نسبيان ، وان البطولة تتجلى في الفكر لا في البندقية والقتل بل بانقاذ ارواح الناس ، وهذا هو محور وهدف هذه القصة التي سيرويها.
القصة الكبرى
تغادر الكاميرا مشهد الجنرال الحكاء الذي يخاطب جنوده، الى صلب الحكاية الكبرى ، التي حدثت عام 1938 ، بان يقرر الجيش الألماني ترحيل ما يقرب من 123 طفلا يهوديا من المانيا الى فرنسا حيث لم يقرر هتلر بعد ان يغزوها.
بموازاة هذه الحكاية كان هناك فتى يهودي اسمه مارسيل مارسو ابن قصاب يعمل ممثلا في أحد الملاهي الفرنسية، وهو دائم الاختلاف مع أبيه الذي يريده أن يساعده في محل اللحوم الذي يمتلكه ، غير أن مارسيل كان متوجها بكل عبقريته كي يتقن فن تمثيل البانتومايم / الفن الايحائي الصامت) الذي سيكون مركز ومحور الحكاية الكبرى فيما بعد .
هذا الفعل المسرحي الذي يتمتع به مارسيل مارسو سيصبح فعلا تشويقيا يتلاعب به المخرج جاكوب كونه مؤلفا للحكاية ايضا .
هنا يتولد لدينا ( حكاية في حكاية ) وهما :
1- حكاية الفتى مارسيل مارسو وطريقته المدهشة في التمثيل البانتومايم ( الصمت).في المسرح.
2- حكاية الفتى مارسيل مارسو كما وظفها المخرج جاكوب ب( الصمت الآخر الجمعي ) في الفيلم.
التمثيل الصامت
يحول مارسيل مارسو شغفة بالتمثيل الصامت الى سلاح كبير ومدهش في يد المقاومة اليهودية التي اشتغلت تحت جناح المقاومة الفرنسية …كيف؟
يرفض مارسيل مارسو الاشتغال بالسياسة والمقاومة أساسا لكنه عندما يذهب مع أخيه ( ألن) لاستلام الاطفال اليهود الذين فقدوا آباءهم تتفجر في روحه بذرة المقاومة غير أنها ( لنلاحظ ذلك) ليست نوازع او بذرة انتقامية ( تأتي تلك للاستدلال على انسانية اليهودي المبدع) ، فيكون لاحقا طرفا مهما في استلام الأطفال ال123 يهوديا وكانت من ضمنهم الطفلة في قصة الاستهلال ( اليزبيث) وكل ذلك يحصل في ( 14 تموز 1938 في ستانسبورغ -فرنسا) .
كان مارسيل مارسو يقلد الممثل الصامت شارلي شابلن وكان ابوه القصاب يعيب عليه انه يقلد هتلر لانه واقع بالتباس لماذا؟
1- شارب الممثل شارلي شابلن كونه الممثل الايحائي ( البانتومايم) ( من وجهة نظر الابن مارسيل)
2- شارب هتلر ( من وجهة نظر الأب القصاب)
هدا بالاضافة الى ما جرى من حوار حول ( سيجموند فرويد) عالم النفس اليهودي وكل ذلك ليقدم المخرج شخصية بطل فيلمه مارسيل وهي في اوج وعيها الثقافي في تحليله لطبيعة الشخصية اليهودية من وجهة نظر يهودية ، وكل ذلك يجري لكي يزيل مارسيل فكرة توهم الاب انه مقلد لهتلر بينما هو في الحقيقة يقلد شخصية يهودية وهو شارلي شابلن .
الحياة اليهودية
يتم استلام الاطفال ال 123 من قبل مارسيل وأخيه آلن والمجندة اليهودية الفرنسية إيما وجوجس صديق مارسيل وفلور صديقة ألن ، غير أن المفاجأة أن الاطفال يتعاطفون مع شخصية مارسيل ، كونه ممثلا ساحرا للفن الصمت وبخاصة الطفلة اليزبث التي ابتدأت بها الحكاية الاستهلالية الصغرى ، هنا نكتشف ان اليزبث قد ودعت الطفولة بنزول الحيض عليها، وتلك بشارة ارادها المخرج لتكون علامة على مضي الحياة اليهودية الى الامام ،لقد فرحت ايما بهذه البشارة وهي اشارة دلالية الى ولادة دم جديد يبشر