بقلم : الأديبة والناقدة مادونا عسكر/ لبنان
بعد إعلان وزير التّربية والتّعليم اللّبناني قرار إنهاء العام الدّراسيّ وترفيع التّلاميذ إلى صفوف جديدة، امتعضت المدارس الكاثوليكيّة من هذا القرار. واعتبر الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب بطرس عازار أنّ هذا القرار “هرطقة”. في حين أنّ المدارس الكاثوليكيّة كانت في حالة جهوزيّة لاستكمال العام الدّراسي وإعادة التّلاميذ إلى صفوفهم مع تهيئتهم على مستوى الصّحّة النّفسيّة والجسديّة. فالمدارس الكاثوليكيّة بحسب الأب بطرس عازار تسعى إلى ضمان نوعيّة التّعليم في لبنان. وما لبثت المدارس الكاثوليكيّة بعد قرار وزير التّربية أن لوّحت بالإقفال بسبب الأزمة الاقتصاديّة الخانقة في لبنان. خاصّة أنّ الأزمة بدأت قبل قرار الحجر. ولن ننكر على المدارس الكاثوليكيّة فضلها في ما قدّمته على مستوى التّعليم في لبنان ولن نقلّل من شأن عطائها لسنوات عديدة. ولكن نتساءل ومن حقّنا التّساؤل عن التّلويح بالإقفال لمؤسّسات ضخمة كالمدارس الكاثوليكيّة الّتي أرى أنّ قوّتها تفوق قوّة الدّولة في التّنظيم الإداري والتّعليميّ. ما لم يحصل إبّان الحرب الأهليّة في لبنان. فلم تقفل المدارس ولم يُلغَ عام دراسيّ بل كنّا نتوجّه إلى مدارسنا في حالات وقف إطلاق النّار هذا إن لم يكن تحت القصف العشوائيّ. ولعلّ السّبب يعود إلى أنّه خلال الحروب يكثر المال السّياسيّ لإشعال النّزاعات حتّى تستمرّ.
إلّا أنّ المدارس الكاثوليكيّة بشكل عام في الأزمة الحالية رفضت تسجيل التّلاميذ الّذين تمنّع ذووهم عن دفع الأقساط المدرسيّة. ولا بدّ من أنّهم تمنّعوا بسبب الضّائقة الاقتصاديّة والعوز، خاصّة أنّه من تشرين الأوّل 2020 توقّفت الأعمال تدريجيّاً في لبنان حتّى توقّفت تماماً مع قرار الحظر. والسّؤال الثّاني الّذي من حقّنا أن نسأله إلام سيؤول حال هؤلاء الطّلاب ذوي الأعداد الكبيرة على المستوى التّعليميّ والنّفسيّ؟ كما أنّ عمليّة رفض تسجيل هؤلاء الطّلّاب سيؤدّي إلى كارثة تعليميّة، خاصّة أنّهم إمّا سيتوجّهون إلى المدارس الحكوميّة، وإمّا إلى المدارس الخاصّة التّجاريّة الأقل كلفة نوعاً ما.
أيّاً كانت الإجابة، ومهما كانت التّبريرات، فإنّ هؤلاء الطّلاب يواجهون أزمة حقيقيّة. فبعد أن كانوا في مدارس تقدّم لهم مستوى جيّداً من التّعليم سينتقلون إلى مدارس أقلّ مستوى. وكلّ اللّبنانيين بما فيهم الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة ومديري المؤسّسات التعليميّة في المدارس الكاثوليكيّة يدركون مستوى التعليم في أغلب المدارس الحكوميّة، كما أنّ كلّنا يعلم أداء أغلب المعلّمين في هذه المدارس ومدى الاستهتار وقدرة الاستيعاب. وكلّنا يعلم كيف تدار المدارس التّجاريّة في لبنان، وكيف ينجح الطّلّاب. فالطّالب في المدارس التّجاريّة ليس بطالبٍ وإنّما زبون يساهم بازدهار التّجارة في التّعليم.
لست معنيّة بالأرقام، ولا بالأسباب الاقتصاديّة، ولا بالحديث عن أزمة تطال الجميع بما فيها المؤسّسات التّعليميّة الكاثوليكيّة. وإنّما أنا معنيّة بالرّسالة المسيحيّة الّتي لسنوات طويلة تحدّثت عنها المؤسّسات الكاثوليكيّة ورسّختها في أبنائها وطلّابها. فأين غابت هذه الرّسالة المسيحيّة الهادفة إلى تعزيز العلم والثّقافة، لا سيّما ثقافة المحبّة والخدمة والتّعاضد. لقد تعلّمنا في المدارس الكاثوليكيّة أنّنا في عائلة، وعلينا أن نساعد بعضنا البعض حبّاً بالمسيح! وترسّخ في داخلنا أنّ الرّهبنات تعمل لخدمة المسيح في العالم. واليوم تتخلّى العائلة عن أبنائها وتمتنع عن احتضانهم في قلب الأزمة.
لا يوجد في المسيحيّة مبدأ المساعدة، بل مبدأ المسيحيّة هو الشّركة. ونقرأ في سفر أعمال الرّسل: “وكان لجمهور الّذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له، بل كان عندهم كلّ شيء مشتركاً. وبقوّة عظيمة كان الرّسل يؤدّون الشّهادة بقيامة الرّب يسوع، ونعمة عظيمة كانت على جميعهم، إذ لم يكن فيهم أحد محتاجاً، لأنّ كلّ الّذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها، ويأتون بأثمان المبيعات، ويضعونها عند أرجل الرّسل، فكان يوزّع على كلّ أحد كما يكون له احتياج.” (أعمال الرّسل 35،32:4) إذاً كان المسيحيّون يتشاركون كلّ شيء. وعبارة كلّ شيء تعني كلّ شيء! وقول المسيح في الإنجيل واضح جليّ: “كلّ ما فعلتموه لإخوتي هؤلاء الصّغار فبي فعلتموه”. فأين غابت هذه الرّسالة المسيحيّة الجليلة في قرار المدارس الكاثوليكيّة؟ وأين هي المحبّة الّتي نتغنّى بها؟ المحبّة الّتي تقتضي التّفكير بحال هؤلاء الطّلّاب، وبتدهور مستواهم التّعليميّ وصحّتهم النّفسيّة.
وأتساءل عن شعور هؤلاء الطّلّاب الّذين تعلّموا في ساعات حصص التّعليم المسيحيّ أن المسيح أوصانا أنّ نحبّ بعضنا كما أحبّنا هو، وأنّنّا في عائلة وعلينا أن نساعد بعضنا البعض ونتشارك في كلّ شيء. وأتساءل هل سيواظب معلّمو التّعليم المسيحيّ على هذا التّعليم خلال العام الدّراسيّ الجديد؟