لصحيفة آفاق حرة:
_______________
بتوقيت بصرى
د. سلطان الخضور
محمد فتحي المقداد روائي واقعي وجاد، غزير الانتاج ، وعملي ووفي، يستخدم حاستين في نفس الوقت فيعمل وهو يتحدث أو يسمع ويستغل مهاراته بشكل مكثف، لديه قدرة على التشخيص كطبيب مختص في الآداب، واسع الثقافة حسن الاطلاع دقيق في التعبير، حتى حاسة السمع لا يوظفها في أغلب الأحيان إلا للثقافة، فنجده يستمع لمن يحاوره بشكل جيد، فيعطيه مما تراكم في ذاكرته من معلومات. حتى في لحظات الصمت، لا يدير مفتاح تلفازه إلا لما له علاقة بالثقافة والمثقفين من الفضائيات، فتجده يتلذذ بما طاب من الشعر ومن أحاديث المثقفين، فيروي ظمأه وظمأ الحاضرين.
أما علاقته بالمحيط، فهي علاقة ود واحترام متبادل، يتبادل مع غيره الود والمحبة، يعطيهما للجميع بسخاء مفرط.
أما مجموعته القصصية الأخيرة فقد بدا المقداد ماهر الحياكة، فقدم المجموعة بشكل متصل ومنفصل ومفصل بنفس الوقت، فالقارئ المتابع لا يلبث إلا ويجد نفسه أمام حدث جديد دون أن يشعر بانتهاء ما قبله.
المقداد يدخلك من بوابة مجموعته الواسعة ويتجول بك بتدرج ملفت ودون أن تشعر، لتجد نفسك في مكان آخر وأمام حدث جديد.
مجموعة المقداد الأخيرة التي عنونها بتوقيت بصرى توهم القارئ أنه أمام لوحات منفصل كل منها عن الآخر، فلا يلبث القارئ حينما يدخل محاريبها من بوابتها الواسعة، إلا ويجد نفسه أمام بيت متماسك مبني من الحجر الصلب، ذو حجرات تنفتح كل حجرة على الأخرى بواسطة باب واسع، وتبدو هذه المجموعة كمزرعة قمح صوُّرت على مراحل. فعند البذار تعطيك صورة الحب غير المتصل، فتبدو وكأن مساحة ما تفصل ما بين البذرة والبذرة، وحينما ينبت القمح ويخضر، يبدو للرائي قطعة واحدة لا فاصل بين عروقها الخضراء ، أما حينما يستوى نبتها على سوقه، يعجب الزراع من المتذوقين، فينال ثناءهم وينهلون من ثماره.
عقارب الساعة على الغلاف تشير إلى عاطفة التعلق بالمكان، فيظهر حسب وجهة نظر الكاتب وكأن الزمان بدأ هناك وسينتهي هناك، فكل قصة بدأت بتوقيت بصرى وانتهت بتوقيتها، وهو أيحاء مشروع لمسقط الرأس وتصويره وكأنه مركز كل الأشياء وكل الأحداث.
بتوقيت بصرى عصارة لمعاناة المكان والزمان عبر عنها الراوي بلغة سهلة مفهومة، تعكس الضيق المكتنز في النفس الراوية، ونجاح المقداد فيها هو نجاح من سلسلة النجاحات التي حققها في هذا المجال.