قرأت ذات مرة قصة قديمة تحكي أحداثها، أن رجلاً من بني كلاب أو من عامر بن صعصعة خرج إلى ذي جدن من ملوك اليمن، فأُطلع إلى سطح كان الملك واقفاً عليه، فلما رآه الملك قال له : ثب ( وقصده بذلك اجلس(
فقال الرجل ليعلم الملك بأني سامع مطيع، ثم وثب من السطح فمات.
فقال الملك: ماشأنه؟ فقالوا له ، إن الوثب في كلام نزار ( قبيلة الرجل ) هو الوثب أي الوثوب من أعلى لأسفل.
فقال الملك :ليست عربيتنا كعربيتهم من دخل ظفار فقد حمر، أي من دخل مدينتا اليمنية ظفار فعليه أن يتكلم بلهجتها حمير.
الهدف من سردي لهذه القصة التأكيد على قول طاغور:
( أريد أن تهب على بيتي ثقافات كل الأمم بكل ما أمكن من الحرية، ولكني أنكر على أي منها أن تقتلعني من أقدامي.)
فلا يوجد في العالم دولة بشخصية واحدة واثقة متماسكة ، غير ممزقة تامة بكل ما فيها حتى يتم تقليدها أو الرضوخ لها بشكل أعمى، إن الأمم المتوازنة هي التي تتبادل مع غيرها من الدول و الأمم ما يفيدها، لا يهم أي من هذه الدول أخذت أكثر من غيرها أو أعطت أكثر ،المهم أيهما حافظت على أصالتها وسماتها ثم طورتها أكثر وهنا تكمن الجاذبية القومية المتجددة، وعدم الوقوع في مطب الخيار الحتمي إما الاستفادة تعني الانصهار الكلي .
إن ما نراه أو نسمعه عبر كافة وسائل الإعلام يكشف تناقضات لا تحمل طابع الاستقلالية ولا الحرية ، بل التنافر والعداء ، حتى أننا نستطيع أن نرى بوضوح الخيوط الخفية في المسرح العالمي ، وهي تحرك الدمى وتحدد مصائر الشعوب.
ووسائل الإعلام أصبحت وسيلة كي يتابع الجمهور المسرحيات التي تلعبها الدول، وهم شبه مسحورين بأداء الممثلين كل حسب قدرته على التمثيل، وتمرير الرأي والموقف.
بالتأكيد إن الحال لم يكن ليتردى بهذا الشكل لو إننا ومنذ وقت سابق، حافظنا على جذورنا وقيمنا وحبنا لبلادنا، ولو أننا فعلا مارسنا الديمقراطية المدروسة ,وتعلمنا مفهوم المواطنة، ومبدأ الحقوق والواجبات ، وبان حب الوطن لا تبنيه العاطفة وحدها والأهازيج أو الأغاني الوطنية بل بقوانين تدريجية، إن غياب هذه القوانين جعلت رياح مصالح الدول القوية تهب لترى بان الجذور كانت في أغلبها مهترئة أو بحاجة للرعاية، لو أننا فقط اتبعنا قول الملك اليمني القديم : ( من دخل ظفار فقد حمر….)