وصلت حافلة الركاب القادمة من مدينة الحمامة البيضاء الى مدينة الدار البيضاء قبل موعدها بساعة لذا لم تجد الجدة في استقبالها احدا.
وضعت اغراضها ارضا و جلست تنتظر. كانت رغم سنها الذي يقرب من السبعين في منتهى لياقتها واناقتها التي ورثتها عن والدتها التطوانية الجذور…نظرت الى الساعة و استلت من حقيبة اليد هاتفا صغيرا يكاد ينقرض صنفه. ركبت رقم الحفيد فرد هذا الاخير بسرعة البرق ادهشت الجدة :
– اين انت يا ولد.؟ هل ستتركني اتوه هنا في هذه المدينة الكبيرة؟
-لا جدتي العزيزة ،انا قادم اليك . رد شاكر متحمسا .٠
و ما هي الا لحظات حتى وصل قاعة الانتظار وهرول نحو الجدة معتذرا.اقترب منها لاحتضانها الا انها ابتعدت ضاحكة ؛
-لا يا ولدي بلا احضان ليس قبل ان اعقم نفسي! الحافلة كانت مكتظة رغم ما اسمع عن تدابير كورونا !
-قهقه شاكر بصوت عال وامسك بيدها حاملا الحقيبة الجلدية الصغير ة وجرها بلطف نحو سيارته المركونة على بعد امتار من المحطة.
اتجه شاكر وجدته نحو بيت العائلة حيث الاستعدادات لاستقبال خطيب اخته الصغرى سناء وعائلته. اذ لولا هذا الحدث السعيد ما كانت الجدة تخرج من بيتها في هذا البرد القارس وحالة الطوارئ غير ان حفيدتها الوحيدة اصرت ان تكون جدتها اول المستقبلين للعريس المستقبلي لتقول كلمتها الفصل .فالمراة معروفة بحكمتها و فراستها .عاشت في كنف اب ورع يحترم المراة و يقدرها لذا اكتسبت قوة شخصية وتبصر مثل امها الا انها لم تكن محظوظة مع زوجها الذي تزوج عليها امراة اخرى حتى دون ان تعلم !
وصل الحفيد والجدة الى البيت. اطلقت اللا هنية زغرودة طويلة عند المدخل و وبفرح كبير التف حولها باقي الاحفاد والابنة التي اغرورق عيناها بالدموع وهي تعانق الام:
-شكرا ماما لقدومك رغم صعوبة الطريق.بدونك لا معنى لاي فرح.
ردت الجدة على ابنتها الوحيدة بلكنتها الشمالية المميزة: –الله يكمل بخير فقط اعطوني مسافة الامان لو سمحتم يا اولاد !
ضحك الجميع واتجهوا نحو الصالون في حين اتجهت اللا هنية لتغيير ملابسها .
كانت الحفيدة الصغيرة سناء متوترة للغاية وهي تنتظر الضيوف القادمين لخطبتها.توتر لم يكن له من داع في نظر العائلة فهم جميعا يعرفون مسبقا سعيد بحكم الجوار والعشرة الطويلة .
قدمت سناء لتحية الجدة وما هي الا هنيهات حتى هرولت لفتح الباب بعد ان سمعت طرقا.
-يا عروسة ، هل انت من سيفتح الباب؟ عودي ادراجك! صرخت الجدة.
هرعت سناء نحو المطبخ محمرةالوجنتان.
رحبت الام بالقادمين واتجهوا حيث تجلس الجدة .العريس وسيدتين وعم سعيد.
جلس الجميع ونزعوا كماماتهم .رحبت بهم الام من جديد وقدمت لهم الجدة :
-هذه الوالدة اللاهنية جاءت من تطاون لتتعرف عليكم .
-مرحبا اللا هنيا حمدا لله على سلامتك.بادرت احدى السيدتين مبتسمة لكن فجاة اختفت ابتسامتها وهي تحدق في ملامح الجدة التي بدورها اصفر لونها فجاة وكاد يغمى عليها.
بدا الموقف غريبا للجميع .قدمت سمية كوبا من الماء لوالدتها قائلة : ما بك يا امي هل من خطب ؟
تماسكت الجدة ووقفت مرتعشة : لا يمكن …لا يمكن. ..هذا الزواج لن يتم…
لم تكن السيدة التي حدثتها غير ضرتها القديمة التي انجب منها زوجها المتوفي ولدا …كادت الجدة تجن وهي تصرخ لا يمكن لا يمكن العريس اذن من محارم سناء….
ساد استغراب ودهشة بين الجميع غير ان الضرة بادرت قائلة: – اطمئني للا هنية ، سعيد ليس ابني انه ابن اختي الجالسة بجانبك ، انا خالته ولست امه !