حولة في الاحياء الفديمة
استيقظ شيطاني ، آه ما أسعد من كانت من نصيبه إحداهن ، وبالرغم من استعاذتي بالله منه إلا أنه ظل يوسوس بداخلي، يعزف على وتر الرقة والجمال؛ لأنه يعرف بالتأكيد شعوري نحوه، أغتسل وأرتدي ملابسي، أهبط السلم وأنا أدندن جانا الهوى جانا، أجلس إلى المائدة ونتناول الفطور المكون من الفول المصري والفلافل والمربى والبيض المسلوق ، بالنسبة لي تناولت ما أريد قبل أن أهبط إلى الصالة ، شبعت وأنا أشتم أريج السوسن ورائحة الياسمين وهي تفوح من الحديقة التي وقفت ببابي وأيقظتني ، لقيمات تناولتها أتبعتها بسيجارة ، قليل من الوقت ونكون جاهزات للخروج معكم ، ها نحن ننتظر قلت.
مثلهن لا تحتاج للزينة ، يكفيهن ما وهبهن الكريم من جمال، فقط يرتدين ملابسهن ويهبطن، وفعلاً حضرن بمكياج خفيف، ركبنا السيارة ، سقطت على أرض الذاكرة صورة فاطمة لا أدري كيف؟ اشتعل القلب شوقاً، واضطربت المشاعر، وقريني المحترم راح يقارن بين الحسان، أحاول أن أبعده وأفشل، أقلب أوراقاً بجيبي، كنت حصلت على رقم هاتفها ، ها هو ، أرسله إلى جيبة أخرى ليكون منفرداً، وهل يعقل أن يختلط بغيره، وهي الآن منفردة في القلب والخيال، وكيف ذلك وأنت مع الحوريات في الجنة الصغيرة ؟
لا أدري؛ كل ما أعلمه أن فاطمة بدموعها بابتسامتها بكلماتها تسيطر على كل مشاعري، في هذه اللحظة لا أرى سواها، سأكلمها عندما نعود، لماذا أيها اللعين أتيت بها في هذا الوقت بالذات، لتفسد فرحتي وتشعل نيراني ، وتحرمني من التمتع بما هو لدي الآن، لماذا تزور ذاكرتي في هذا الوقت لماذا وألف لماذا ؟
نزلنا إلى الحلمية وما أدراك ما الحلمية ، وهل هناك أجمل من الحلمية ، الناس بسطاء مرحون، المقاهي كثيرة في هذا الحي الكبير، صحيح أن الحركة فيه لا تختلف كثيراً عن السيدة أو الدقي أو غيره من الأحياء، إلا أن حركة التجارة فيه أنشط والامتداد العمراني الحديث وصل إليه بشكل أكثف من باقي الأحياء.
النساء هنا لا يختلفن كثيراً عنهن في الأحياء الأخرى، ولكنك تشعر براحة غريبة وأنت تتجول فيه، نظرات الناس إليك تشعرك بالطمأنينة، معظم الصبايا يرتدين العباية السوداء ” الملاية ” ومع ذلك تسمع الرصيف يداعبهن، يناغي خطواتهن، ويناجي السماء أن لا ترحمه من وطء أقدامهن.
ما لاحظته أن معظم أبناء المناطق الشعبية هم في الأصل من محافظات أخرى تمتد من الصعيد حتى الإسكندرية ، فإما ولد هنا أو لجأ إلى هنا في بداية مشواره مع هذه الحياة طلباً للرزق في المحروسة.
تجولنا في السوق، أشياء كثيرة تلفت الانتباه ، محلات النجارة أو ما يسمى هناك ” الموبيليا ” بعضها يصنع بواسطة الآلات الحديثة، وبعضه يدوي الصنع من ألفه إلى يائه، الأسطوات ينتشرون أمام المقاهي وعلى الأرصفة المقابلة أو المجاورة لمحلاتهم والمتدرب أو ما يسمى الصبي دائماً في المحل لا يغادره إلا بوجود المعلم ” الأسطة ” وبناء على طلبه .
من الحلمية انطلقنا إلى خان الخليلي، هذا السوق التراثي كل أنواع التجارة موجودة فيه، العطارة، الشرقيات ،الأعمال اليدوية التي صنعت بمنتهى الدقة والفن، رائحة مواد العطارة تملأ السوق وتختلط بروائح النساء فيزهو خان الخليلي على غيره، إنه الحارس على التراث المصري .
من خان الخليلي إلى الأزهر، وهنا تنشط الذاكرة من جديد، من هذا الجامع أو الجامعة خرج طه حسين والشعراوي وكثير من رموز مصر ومثقفيها وعلمائها، هذا المكان الصانع للمتناقضات فمن قامات خدمت الإنسان المصري والعربي ودافعت عن حاضر الأمة ومستقبلها، إلى قامات في التخريب والإساءة للأمة والدين، فهنا تأسست حركة الإخوان المسلمين، ومن هنا انطلقت أول المجموعات التكفيرية على يد التكفيري الأول حسن البنا، ومن بعده سيد قطب(إبراهيم حسين الشاذلي) والتكفيري أو إمام التكفيريين عبد الحميد كشك، إلى أن وصلت لهؤلاء الذين لا يردعهم شيء عن تكفير من لا يسير حسب مصالحهم وخدمة لأهدافهم، وانتشرت هذه الجماعات من مصر إلى معظم دول العالم، هذه الجماعات التي انبثقت عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي تنظر إلى من لا يشاركها الرأي ويؤمن بأفكارها أو من يحاول مناقشتها ومجادلتها كافراً أو مرتداً وجب عليه القصاص، منها طالت اليد وانتشرت في دول الجوار، لسانها التكفير وفعلها القتل الذي لا يفرق بين أحد خروجاً عن قوله تعالي” من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا “.
نتجول في المسجد العظيم البناء، وفنيات الزخرفة فيه والآيات القرآنية تنير جدرانه، وتجبرك على الالتفات إليها و الدخول إلى المسجد والبقاء فيه .