! نحنُ الذين خُلِقنا للعيشِ بسلامٍ آمنين، فأينَ السّلامَ في بلادٍ مُغتصبة، أينَ السّلامُ في أراضٍ ترتوي مِن دماءِ مَن يسعى ليروي ظمَأ أطفالهِ!
إلى أين تتّجهُ بنا سفينتُنا! قتلٌ في فلسطين، عذابٌ وتشرّدٌ في سوريا، ثُمَّ نهبٌ واستيلاءٌ في العراق، لنمُرَّ مَن ليبيا على جُثَثٍ مُلقاةً وكأنّها أزهارٌ مقطوفةٌ مِن حدائِقِ بيروتَ التي سقطت واقِفَة.
بلادُ الشّامِ تسقُط، بلادُ الأجدادِ والأصحاب في طريقها نحوَ الهاوية، كُلٌّ مِنّا يسقُط، لو كانت بلادُنا تتحدّث، لعمّت سماءنا بصرخاتِ القَهر، لكانت شوارعنا مليئةً بتجاعيد الزمن، وجبالنا قد انحنَت استقامَتُها عجزًا، لرأينا سماءنا تنحتُ بغيمِ بحارنا أسماءَنا، أحلامَنا، ضرباتِنا، وعروبَتَنا.
الأقصى يتأوّهُ يا أمّي، والموتُ عاث فقدًا في بيروت الهَوى، وها هي سماؤها ترتشحُ دمًا، أمّا الشّام، برحت في دُعائنا المُبُلّل، في ثقوبِ الرّجا، في صدور الأمّهات!
فمن ذا الذي يُوقظ عروبتنا، من ذا الذي يلتقِطُنا من إناء الهلاك؟
عودي يا بلادنا فالعود أرحم.
قالوا بأنَّ بلادَ العُربِ أوطاني، وكُلُّ العرب إخواني، وأنَّ الأزهارَ تنبتُ في فلسطين، ورائحتها تفوحُ في لبنانِ، والعراق تحتضنُ أوجاعَها بالكتمانِ، وكم سوريٍّ طُرِدَ مِن بلادهِ للذُّلِّ والحرمانِ، أينَ هي بلادُ العرب أوطاني، مجاعةٌ ثُمّ تشرّدٌ ثُمَّ قتلٌ لهذا الإنسانِ.
ها نحنُ سُلِبت منّا عروبَتُنا، أينَ أنتَ يا رسولَ أُمتِنا، هل نُقتَلُ ونرى نهايَتَنا؟ أينَ حُكّام العربِ إخوَتُنا؟ ما عاد في العينِ دمعٌ، ولا نبضٌ في قلوبِنا يُنقِذُنا.
إنّي أسمعُ انتِحابَ الأقصى، لتغدو إليها الشّام مُسرعةً لتمسحَ دمعتها بغطاءٍ مُرصّعٍ بدماءِ فتًى مِن بيروت، حاملًا على أكتافهِ علمَ العِراق، ليقولَ قبلَ وفاتهِ “بلادُ العربِ أوطاني، وكُلُّ العربِ أذاني، أنا عربيٌّ مقتولٌ بخُذلاني، وأنتم تنظرونَ إلى جُثثنا بصمتٍ وعميان، أنا عربيٌّ وليسَ بالأرضِ مكاني، أمامَ الله سنلتقي، ولن أغفر لمَن سلبَ مِنّي أوطاني”