يتمايل القارب على سطح الماء، اعتاد الربان أن يصطحب حبيبته في جولة على متنه كل يوم، كانت سعيدة بهذه الرحلة المسائية الهادئة، وكان يسعد لسعادتها. أما هي فكانت تشعر براحة واطمئنان خصوصا أنه يفهم لغة البحر، ويراوغه، ويقود القارب إلى شاطيء الأمان بحنكة ودراية.
اليوم فاجأتهما سمكة قرش شرسة، وهمت أن تبتلع الربان الذي نظر إليها باستعطاف وقد أذهلته المفاجأة ، السمكة عنيدة، لم تأبه بنظرات التوسل، ولا بخوفه وضعفه ومذلته … لكنه مصمم على النجاة، نظر إلى السمكة نظرة ذات مغزى ، وغمز بعينه متواطئا وأومأ إلى حبيبته المكتنزة ، فهمت السمكة مقصده، أما حبيبته فقد ألجمتها المفاجأة، وشلت تفكيرها الصدمة، والقرش لم تمهلها الوقت لتستوعب الأمر إذ انقضت عليها في التو واللحظة، وابتلعتها في ثوان معدودة وغادرت. تنفس الصعداء، وشكر الله على الخلاص، أصبحت تأتي السمكة إليه كل يوم فيلقي لها برفيق أو عزيز يصطحبه معه لهذه الغاية، متبنيا نظرية التضحية بمن نحب من أجل استمرارنا، رحبت السمكة بنظريته وأثنت عليه، أما هو فقد أجزل لها العطاء، وضحى بأصدقائه وجيرانه وأقاربه وأخذ يميل إلى معارفه ليضحي بهم كذلك، كان يفعل هذا بإخلاص شديد للقرش.
اليوم بعد أن ابتلعت أضحيته التي قدمها لها فاتحته أنها لا تكتفي بضحية واحدة، ثم لمعت عيناها ونظرت إليه باشتهاء وفجور، أصابه الفزع، قالت: أنا أحبك وسأتبنى نظريتك بأن أضحي بك من أجلي، وقبل أن يعترض وبسرعة البرق انقضت عليه وابتلعته، غير مبالية بنظرات العتاب التي صدرت عنه، ولم تكتف بذلك، بل هشمت قاربه ، وعندما لامتها أسماك القرش علي تسرعها قالت: لا تقلقوا … وأومأت إلى قارب يتهادى على مرمى بصرها مقتربا… وابتسمت .