هاشم خليل عبدالغني – الأردن
قصيدة سونيا عبداللطيف ” غزة بخير ” تحاكي الواقــع السياسي العربي وتصوره بشكله الحقيقي ، وتـــقوم فــكرة القــصيدة عــلى مضـمون يتــناول مــوضوعا حساســاً ،ومـزعجــا ومثــيراً للجــدل بـالنسبــة للإنســان العــربي ،( الــعـــدوان الصهيوني عـلى غزة ) فالشـــاعرة تطــرح موضوع العــدوان ، بــطريقــــة مغلــفة بالألــم والسخـــط والسخــرية على واقع عربي مهترئ هزيل ، ممــا شكل صـدمة غير متوقعة للإنسان العربي الغاضب.
بكل اعتداد وهدوء تقول الشاعرة فـي مطلع قصيدتها ( غزة بخير ) رغـــــــــم الحــرب القـذرة التي يشنها الصهاينة عـلى غزة الحـــرب التي عـــرت معظم دول العالم وخاصة عالمنا العربي فـي موقفها المخزي والمخجل ،من العدوان الصهيوني المتواصل على غــزة ، مما اوقعها في حـــرج دائم خاصــة مــع استمرار المقاومة الفلسطينية بـالرد الحازم على هذا العدوان الغاشم ، بوتيرة مناسبة دون توقف مع إطلاق دفعـات جديدة من الصواريخ من قطاع غزة بـــاتجاه المـــدن والمستوطــنات الصهيونية والمــواقع العــسكرية والبـــوارج وغــيرها... فــغزة بخير .. غـزة بخير يا عرب… لأنها تقاوم .
بكل عنفوان وشموخ تطلب الشاعرة من الجبناء العرب الذين ( لا يملكون قرارهم ولا يجرؤون على البوح به، هم بشر بهيئاتهم ولكــنهم مـــن حـــيث الواقــع أقـرب إلى النعاج !) تطلب منهم أن لا يشــعروا بأي ألـــم نفــسي أو اي مشــاعر سلبية، من هم وغم وكرب ويأس ، وتنصحهم بعـدم الحداد عليها بارتداء ثياب الحــزن الســـوداء كـــما تنصحـــهم بعـــدم تأبينها والتوجع لحالها ، وتعدد محاسنــها والرأفة بها ، والشفقة عليها ،ولأن غزة ما زالت على قيد الحياة صامدة تقاوم ، والصهاينة في حالة ذعر وهلع يختبئون في الملاجئ .
وتشن الشاعرة هجوما لاذعاً على الذين نأوا بأنفسهم عن نصرة إخوانهم في غزة ، ولــم يسعوا لرفع الظلم عنهم ، ومــد يد العــون لهم ،ولم يشعروا بشعورهم وبآلامهم .
تقول الشاعرة لهم : انهمكوا في الفجور والشهوات والملذات واستكثروا منها وادمــنوا عليها ، وارتكبوا الفواحش وجاهروا بها وانطلقوا للمعاصي ،وكــدسوا الأسلحة ,وتاجروا بالفسق والمجون .. فغـــزة لن تموت … ثم تأكد الشاعرة أن مصير الخونة إلى زوال مشردون ومنبوذون ، وعاقبة الخيانة أثم وعار .
غزة.. بخير يا عرب
لا تحزنوا…
لا تلبسوا السّواد
لا ترثوها..
احتفلوا بكلّ الأعياد
هبّوا إلى الخمّارات..
راقصوا الغانيات..
اشتروا الطّائرات..
ادخلوا البورصات…
غزّة… لا تموت..
على وجوه الخائنين ألف خازوق
وتشير الشاعرة في المقطع التالي لمكانة فلسطين ، كأقدم حضارة عربية سجلـها التاريخ الانساني.. وبأنها مهبط الرسالات السمــاوية ، التي أثبتها القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وتؤكد أن غـــزة التي تقــع جنوب فلسطين ، غزة هبت كالعنقاء مسرعة مـــن وسط ركــام الذل والخنوع العربي ، لملاقاة العدو الصهيوني تقاتل وحدها و تنتصر وحدها،رغــم القصف الصهيوني العشوائي للمســاكن والمدنيين إلا أن غــزة ستظل منيعــة وحصينة لا يمــكن النـــيل منها ،وستبقى غـــزة وان دمــرت مساكـنها رمز الصمود والـــكبرياء وتاج الجــبين، وسيبقـــى أبطـــالها أهــل العزة ورمز البطولة، حمى الله غزة واعز أهلها... لهذا غزة بخير .. يا عرب .
تشيد الشاعرة بمقاومة أهل غزة ، وبتصـديهم للعدوان الصهيوني الوحشي ،فتـــؤكد أن غزة تقاتل وحــدها وتنتصر، فقد نجحت في إحــــداث هـــزة شديدة ، جعـــلت المجتمع الصهيوني متخلل وغير متماسك .
غزّة تنهض عنقاء..
سلوا هدهد سليمان..
والبراق الذي عرّج في السّماء
غزّة… محصّنة باسم الرحمن
غزّة بخير.. يا عرب
بمفردها قاتلت الصّهيون..
أربكت قادتهم..
خلخلت لهم القلوب..
بأسلوب مقتضب مختصر ودون إطالة ،وبإيجاز كما يقول البــلاغيون ، أي (تأدية المعنى كاملاً بأقل عدد ممكن مـــن الكلمات دون انقاص للمعنى ) ،تشير الشاعرة إلى ان رمال غــزة المخضبة بدماء الشهداء ، خير شاهد على صمودهم وتضحياتهم ،كــما تشيد بنضــال الــمرأة الفلسطينية المستمر لإنهاء الاحتلال، عبر محطات تاريخ القضية الفلسطينية، كما تشيد الشاعرة بأطفال الحجارة، كما تستذكر الشاعرة تاريخ فلسطين ( فلسطين ارض الجهاد والرباط ) وكـــانت ارضها ساحــة للصراع بين جبــابرة ، وتــذكرنا ببطولات اسلافنا الذين حرروا القدس بقيادة صلاح الدين .
سلوا حبّات الرّمال المخضّبة
بالدّماء
كم شهدت أراضيها القتال
سلوا البحار والأنهار كم جرت فيها
أدمع النّساء الأحرار
ولم يبعن ذمّتهن يوما للعدوان
سلوا حجارة السّجيل..
من أين تأتي بها طيور أبابيل..
سلوا صلاح الدين..
عن فتحه المبين…
وتؤكد سونيا عبداللطيف أن( صمود غزة وبقية المدن الفــلسطينية يرفــع الرأس ) رغــم قصف المدنيين والبنايات وهـــو دلــيل عــلى يأس العدو الصهيوني وفشله في التأثيرعــلى المدنيين،وعـلى الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة.
بإيجـــاز ترى الشــاعرة أن غــزة صامدة رغم كـل المجازر . غزة تقاتل من أجل القدس والأقصى والشيخ جراح .
سلوا الأرض الفيحاء
عن قنابل الأعداء..
وكم أبرياء سقطوا شهداء
سلوا رام الله.. بيت لحم.. القدس.. يافا… أريحا.. حيّ الشيخ جراح..
عن الغارات مساء.. صباح..
الأطفال يموتون ولا تسمع لهم صراخ
الزّغاريد ترفع ولا تسمع معها النّواح
سلوا الغيوم الجاثمة..
الخمائل الثّاكلة…
الكائنات التّائهة..
سلوا القدس المغتصب..
من الملاحظ ظاهرة تكرار المعنى في النص ، لجأت إليها الشاعرة
لتأكيـد فـكرة مـــا ،تسيطر عــلى خيالها وشعورها ، ” والتكرار ” يخدم المــوضوع كمــا قال ابن الأثير ، والغـرض الذي ترمي إلـيه سونيا تأكيد المضمون ، وإغناء دلالة الألفاظ ، واكسابها قوة تأثيرية .
تهاجــم الشاعرة بأسى ولوعـة الموقف العـربي المخجل ، وتفضح مزاعم الدول المطبعة حديثا .. عزة بخير… يـا عرب !! غزة مدينة صغيرة ، (مقــاومة لعــدوان وحشي صهـيوني عربي وحيدة ، في محيط من نيران التطبيع ، في زمــن صارت المقــاومة فيه مرادفـا للإرهاب.. والإرهاب خطيئة لا غفران لها… (
تقول سونيا عبداللطيف للحكام العرب ، بما معناه .. بينكم وبين الصهاينة محـتلي فلسطين، تاريخ طويل وسري من الخيانة ، وها نحـــن اليــوم أمــام خــيانة جديدة منكم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينيـــة للتخـلص من الصداع المزمن في رؤوسكم والمسمى القضية الفلسطينية . .. لذا تقول لهم ماتت ضمائركم ، اختبئوا في جحوركم آمنين مطمئنين كالقــواعد ،لا صوت لكم ولا خبر ، غزة وحـــدها تدافـع عن نفسها لك الله يا غزة .. فأطفالك كجميع اطفال فلسطين يعانون تحت الاحتلال ، ويتعرضون لعنف جسدي ونفسي متــكرر وغير متناسب ، فمنهم الشهــيد والمعـتقل والجريح ، فهم يعيشون طفولة قاسية ، تختلف عن سائر اطفال العالم .
غزّة… بخير… يا عرب
لا تفزعوا….
لا تجزعوا..
لا تدّعوا المؤازرة..
ابقوا في جحوركم..
غزة تموت شامخة..
اِرثوا أحوالكم البائسة..
غزة.. تحترق…
شكرا لنفطكم..
سجّر في فلسطين القلوب…
سجّر الحقول والبساتين…
سجّر التّين والزّياتين..
دمّر المباني وهجّر المتساكنين..
غزة تموت تحت الأنقاض
الأطفال يبحثون بين الرّكام عن بقايا أغنيات..
عن أمنيات ..
عن أصوات أمّهاتهم…
عن رائحة الأجداد ..
عن صورة للذّكريات تعيد فيهم الحياة..
وتواصل الشاعرة هجومها على الحكام المطبعين , كحقيقة مجــردة ، لآن النظــام العــربي وجيــوشه لم يحــركوا ساكناً لأكثر مـن سبعين عاماً ، ضد دولة الاحتلال لمقدساتهم ،وهذا يؤكد بؤس هذه الانظمة وتهالكها ، وهذا يشير إلى أن ملتهم الخلاف والعداوة والــنزاع المستحــكم بينهم ، أنتم تقــولون مــا لا تفعلون ،غــزة لا تحتاج لإعاناتكم بكافة أشكالها ، تابعوا بطولات اهلها من وكـــالات الأنـــباء العــالمية ، وانتم فــي غفلة من أمركم ، أنتم حقا تماثيل لا تســمع ، لا تــرى ، لا تــتكلم ، أصابتــكم العــلل ، فالمسلمون في فلسطين محاصرون ويقتلون علي أيدي اليهود ولا تفعلون شيئا .ترى ماذا سيكون حكم التاريخ عـلى هؤلاء الحكام الــعرب، الــذين خانوا فلسطين وباعوها دون اي مقابل؟
يا ملّة الشّقاق..
لا ترسلوا طائرات إسعاف..
لا ترسلوا الإعانات..
تابعوا النّشرات عبر القنوات..
يليق بكم السّبات..
أصلا أنتم من الأموات يا ملّة النّفاق..
بِعتم فلسطين… بِعتم الذّمة والضّمير..
ركِبوكم الحمير.. والبعير…
تنهي الشاعرة نصها بمشهد رائع ، بتأكيدها أن غزة حرة لن تستسلم ، لأن نبض العـروبة والاسلام يسري في عروقها إنهــا روح الأمة كانت وستبــقى ، لغـزة اسلوبها الخاص في المقاومــة ، اسلــوبها في اعـــلان جدارتها في الحياة ، غزة كسرت احــلام الــعدو ، لأن غــزة الأطــهر والأنقــى، (لأنهــا تتوضأ لملاقاة الله في الفجر) ، ولأنها تناضل.. تدافع .. تقاوم
لــن تنـــام ويهــدأ لهــا بــال، إلا بتحقيق النصر ورفع رايته، والصلاة في مدينة القدس بعد تحريرها وتطهيرها مــن دنس الاحـتـــلال ،وإقـــامة صـــلاة التحرير في باحات المسجد الاقصى المبارك بأمان .
لا تفرحوا أيها الجبناء ، غزة بخير … بخير .. بخير .
غزة… حرّة تموت..
غزة.. في عزّتها تموت..
ومن رمادها تنتفض.. تعود
إلى المقاومة..
إلى النضال..
إلى الدّفاع..
غزة لن تنام…
ولن بهدأ لها بال…
ستحمل راية النصر والسلام..
سيصلّي في القدس المسلمون بأمان..
ستعيد هبة الأرض والسّكان..
اطمئنّوا يا أهل الجبن يا خوّان…
غزة بخير..
بخير..
بخير..
خلاصة القول .. سلطت الشاعرة في نصها الضوء على مقاومة غزة الباسلة ،التي ارعبت الصهاينة وشلت اقتصادهم ، كما ركزت عــلى معــاناة الأطفال والنساء والشيوخ ، والدمار العشوائي الذي لحق البنية التحية والأبراج والمخيمات ، كما أكــدت للحكام العرب أن (بطش الصهيوني إذلال فوق إذلال لــكم حكام العرب ) والتطبيع العـــربي زادكم هــوانا فـــوق هوان .وفي هذا المقام نستذكر قول الـــمرحوم الكاتب العــربي السوري ، سعــد الله ونــوس ( كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال ) .فنصر غزة يغيط العدى ،في مثل هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي نمر بها.
في نص وطني قومي ، سكبت سونيا عبداللطيف ذوب قلبها نبض مشاعرها ، مجسدة هموم الإنسان العربي ، المتمسك بدينه وعروبته ، فالقصيدة تعبيرا صادقا ، عن آلام واوجاع الفلسطيني وكفاحه وتطلعه لنيل حقوقه، وتحقيق هدفه المنشود بالحرية والاستقلال .
القصيدة خالية من التكلف تتسم بالطابع السياسي والإنساني والروح القومية ..كل الود والمــحبة للشاعرة الإنسانة سونيا عبداللطيف ، مـع تمنياتي لها بدوام التوفيق والتميز.