قراءة أولية في قصة شعرية/ بقلم :علي أحمد عبده قاسم. (اليمن)

 

لعلي في هذه العجالة أحاول أن أطبق عناصر القصة على النص فيأتي ماظهر جديدا ( القصة الشعرية )
وبالنظر لأبيات امرئ القيس التي تقول:
(( إذا ماالثريا في السماء تعرضت
تعرض أثناء الوشاح المفصل
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فقالت: يمين الله مالك حيلة
وماأن أرى عنك الغواية تنجل
خرجت بها أمشي تجر وراءنا
على أثرينا ذيل مرط مرجل
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
بنا بطن خبت ذي عقاف عقنقل
إذا التفت نحوي تضوع ريحها
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
إذا قلت هاتي نوليني تمايلت
علي هضيم الكشح ريا المخلخل
مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسنجنجل))
مماسبق:
نعلم أن القصة فكرة ومغزى وزمان ومكان وحوار وشخوص وحبكة وعقدة وصراع وحل فبالنظر للأبيات السابقة يلحظ المتلقي مايلي:
– الزمان وقد تلميحا في قوله ” إذا مالثريا تعرضت و، فجئت وقد نضت لثوم ثيابها” فالزمن ليلا بسماء صافية تظهر فيه النجوم وهو الوقت الذي جاء به البطل في وقت الاستعداد للنوم لأنه قال: ” فجئت وقد نضت لنوم ثيابها” أي خلعت ونزعت الثوب عن جسدها ودائما مايتحين العشاق من الشعراء وقت النوم كي لايراهم أحد من أهل الحي وبدأ الشاعر بهذا الزمن زيادة في الإثارة والجذب من خلال المغامرة لذلك قال كانت البطلة قد خلعت ثوبها للنوم ويستثني ” إلا لبسة المفضل” ولبسة المفضل هو ثوب النوم
يتلازم الزمن ويترابطان بوحدة فنية فالمكان مجموعة الأمكنة في النص أو مايسمى بالفضاء المكاني وهي: ” الخباء ، الحي ، عقاف العقنقل وهو المكان الخشن من الأرض والمرتفع (الربوة) فالزمكنية عسكت الحب والعشق والمغامرة
فالبداية كانت بالدخول للحي ثم للخباء ثم التسلل من الحي إلى خارجه(( خرجت بها أمشي تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرط مرجل” وهذه انتقاله بالحدث من نزع الثوب اليومي واستبداله بثوب النوم” لبسة المفضل” ليأتي بهذا الاسترجاع الانتقال من ثوب النوم إلى ” المرط المرجل” وهو ثوب الحرير الناعم والمخطط” المرجل” بمعنى أن الحبيبة أصبحت بكامل زيتنها ليس فحسب بل تفوح من العطور وتنتشر:
” إذا التفتت نحوي تضوع ريحها
نسيم الصبا جاءت بريا القرنقل”
وكل هذا والزمن ليلا وأهل الحي نيام.
– وبالنظر للحبكة وهي تتاعد الأحداث وتصاعدها فإنها تبدأ ب..” جئت وقد نضت” شكل هذا مفاجأة كبيرة في نفسية البطلة ولكنها محببة ومتقبلة لذلك كانت ردة فعلها بالعتاب الممزوج بالغنج والدلال والمقبولة نفسيا وروحياحيث قالت:
(( وقالت: يمين الله مالك حيلة
وماإن أرى عنك الغواية تنجلى))
وكأنها تقول : ” أيها الشقي ألا تدع عنك هذا الشقاء وكأنها تبتسم”
تتصاعد الأحداث بالخروج من الخباء إلى أن تجاوزا الحي إلي الوصول إلى الربوة ” وانتحى بنا بطن خبت ذي عقاف عقنقل”
ويبدأ بمشهد جديد متصاعد جاذب كله إثارة حين تلتفت له ويضوع عطرها ليأتي بعقدة الأحداث حين يطالبها برغباته وهي تتمنع: (( إذا التفتت نحوي تضوع ريحها نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
وإذا هاتي ناوليني تمايلت
علي هضيم الكشح ريا المخلخل))
ليأتي بعد بالنهاية والمصير النهائي وهو الحل بوصف جسدها وتعريها
(( مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسنجنجل))
فالمهفهفة ضامرة نحيلة الخصر وغير مفاضة: أي ليست ذات بطن
والترائب: الصدر
والسجنجل: المرآة
فأي امراة صقيلة هذه وأي جمال فيها فلها ملابس زينة من الحرير متعطرة تتمنع وهي راغبة زيادة في جذب الرجل.
– الشخوص البطل والبطلة وأهل الحي وأشياء تدعم القصة كالزمن والمكان.
– مايميز النص الإثارة والمغامرة من اختيار الوقت للخروج من الحي للوصول للربوة التي تطل على الحي بجانبها الصحراء
– تنوع الحوار مابين مباشر كالبيت الثالث ليراوغ القارئ فالظاهر الغضب والباطن الرضا والتقبل ليثير القارئ والشخوص معا.
أما الحوار الداخلي فقد متنقلا بالمتلقي بين مشاهد القصة بإثارة وتشويق وسيطرة الحوار بوصفه صورا شعرية تصف الفكرة والرغبة وترسم روح المغامرة.
– لم يكن الوصف استراحة فقد كان وصفا متعمدا من نزع المرأة لثيابها إلى وصف المكان والمغامرة والانتقال إلى ارتدائها الحرير والتضمخ بالعطر إلى التعري من الثياب مرة أخرى
– عكست القصة الشعرية صورة البطل المغامرة الشبقة والمرأة الممتنعة الراغبة وهنا أشير أن القصة الشعرية في الشعر العربي القديم حين يصف ويسرد حكايته مع المرأة المعشوقة والتي تخفيه في خبائها وتساعده على الخروج منه دون أن يراه أحد أو تغامر معه بالخروج إلى خارج الحي فإنه لايتطرق لأخلاقها بل يترك للقارئ اكتشاف ذلك بعكس المرأة الزوجة التي يصفها بأنبل الصفات ويجعل منها المرأة المثال.
أتمنى أني وفقت في قراءة النص الشعري القصة.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!