لصحيفة آفاق حرة
****************
(نفس المكان. بائع العسل يقف أمام الجرة، تهب ريح)
بائع العسل : أي ريح هذه التي تحمل بين طياتها الغبار…. الغبار فقط ( تخفت شدة الريح) لا مطر … ولا حتى الرذاذ. (لحظة ثم حالما) لكنها ستمطر العسل حتما لنغتسل فيه، ونرى ذواتنا بجلاء (بسعادة) حلم الحورية يوشك أن يتحقق (بحماس) لتمطر العسل إذن، ولتذهب تجارتي إلى الجحيم (مخاطبا الجرة) كنت أدفن نفسي في جوفك، أما الآن أرى حلمي يتسع … أصبحت ضيقة علي، لذا سوف أتخلى عنك لأنطلق إلى العالم الرحب، وأرى ما يدور حولي بوضوح، سيقودني الحلم إلى الحقيقة، (يرفع الجرة إلى الأعلى بينما يدخل الصعلوك)
بائع العسل : الوداع أيتها الجرة (يهوي بها فيلتقطها الصعلوك)
الصعلوك : ماذا تفعل أيها الأحمق؟
(يضع الجرة قربه)
بائع العسل : قررت أن أكسرها وأنتظر هطول المطر.
الصعلوك : (ساخرا) المطر؟! دعني أخبرك ماذا سيحدث لو أمطرت السماء عسلا.
بائع العسل : العسل بشفافيته سيكون لنا بمثابة مرآة للروح، نمعن النظر فيه فنرى أرواحنا تحلق مرتفعة، ستعلو وتعلو حتى تلامس أبواب السماء، حيث الدفء والأمان، بعيدا عن الغيلان والوحوش، سنخلف تحتنا قذارة هذا العالم.
الصعلوك : بل ستتسخ أجسادنا ويلعقها الذباب، وتتوحل أقدامنا بالدبق، وتتحول الدنيا إلى أقذار ونفايات.
بائع العسل : قلت لك هاتها.
الصعلوك : (بعصبية) خذ (يركلها نحوه فتتدحرج وتبدو فارغة، الصعلوك يضحك)
الصعلوك : الآن فهمت لماذا تريد أن تتخلص منها.
بائع العسل : لأتحرر من القيد، وأطلق العنان لروحي.
الصعلوك : بل لتبرر فشلك في الحياة، وتركض وراء أوهامك التي ستقضي عليك (لحظة) خذ جرتك… عد إلى حضنها لتستمر الحياة.
(الجرة ملقاة جانبا)
بائع العسل : لم تعد لي حاجة بها، خذها لو شئت.
الصعلوك : (ساخرا) ماذا أصنع بها فارغة هكذا؟ أنا أطمح بجرار مليئة باللؤلؤ والياقوت، جرتك هذه لا تشفي غليلي.
(يدخل المتشرد)
المتشرد : لأكن أنا صاحبها إذن (يتناول الجرة ويحتضنها بحنان) لتصبح مأواي بعد طول تشردي وعذابي. يضعها قربه بعناية)
بائع العسل : أما أنا فسأبحث عن مأواي في مكان جديد، فوق سحابة أو في عمق بحر، لألحق بحلمي الذي أخذ يتسع ويمتد لعلي ألملمه وأعود… الوداع…
(يدخل الغول ويمسك به)
الغول : لن تلحق بحلمك الذي بدأ يتسع كما تقول إلا على جثتي.
(الغول يتركه ، بائع العسل يجفل ويتبادل النظرات مع الصعلوك والمتشرد )
بائع العسل : (بتحد) لست غريمي وحدي.
(الغول ينقل نظراته بينهم بفضول)
الغول : (مستفزا) من منكم ينازعني؟ (ينظر للمتشرد)
المتشرد : بعد أن وجدت مأواي لا رغبة لي في مواجهتك، سأولي هذه الجرة عنايتي، وأعيش قانعا (يحمل الجرة على كتفه ويذهب. الغول ينظر إلى الصعلوك باستفزاز)
الصعلوك : أما أنا فبعد أن وجدتك واقعا مفروضا، قررت أن أهادنك.
(الغول يضحك ويطبطب على كتفه باستعلاء، ثم ينظر إلى بائع العسل بتحد)
الغول : لم يبق غيرك عدوي إذن.
(يهم بأن يهجم عليه، فينأى بائع العسل عنه بخفة، الغول يضحك)
الغول : ها أنت تهرب، لا قدرة لك على مواجهتي، أقر بي إذن واسلم.
بائع العسل : (بتحد) لا زال حلم الحورية طليقا بعد سبيها، وسيعيش حلمي لو كُتب لجسدي الفناء (يقترب منه بتحد) ها أنا أقف أمامك.
الغول : (يركله) أيها التافه… تظنني من البلاهة لأجعلك تموت بين يدي الآن متوهما في نفسك البطولة؟ (يصرخ) لا … ستموت ذليلا بعد أن أقتل الحورية التي تعشش في صدرك، لتصبح جسدا محطما بلا روح، حينذا ستطأك قدماي ليخرج ريحك نتنا بعد موتك (للصعلوك) إمنعه من الرحيل، وأعد إليه جرته، وليمت المتشرد.
*****
يتبع