لصحيفة آفاق حرة
*****************
كتب :علي أحمد عبده قاسم. (اليمن)
شكلت كتابات المرأة ظاهرة كبيرة منذ عقود حتى أصبحت تحتل مساحات واسعة من الصحف والمجلات وحتى الدوريات واستطاع قلم شهرزاد أن يلفت إليه الأنظار ويلفت القارئ والناقد لمايمتلك من عمق ولما يمتلك من جرأة في أحيان كثيرة ولفتني كثيرا نص القاصة / صباح فارسي بمايتميز من من مصداقية اتضحت فيه صراع المرأة بالرجل وعلاقتها به والمجتمع وجرئ حد أن تذمر المراة وغضبها عليه تأتي في غيابه أو بعد موته.
فهو نص ممتع وموجع في آن واحد فهو ممتع من ناحية أسلوبه المتسلل من الطفولة حتى الكبر شريط من المآسي والصور التي تعانيها المرأة من عنوسة واستغلال وتعدد زوجات وحرمان وقهر وجبر وهذه الناحية الموجعة
كانت القاصة محترفة جدا حيث وظفت المرآة كرمز للحقيقة التي ترافق العمر بالنسبة للمرأة فمن خلال المرآة ترى جمالها وفتنتها وتغير ملامحها فالمرآة ذلك الرفيق الأمين لأطوار حياة المرأة فمن المرأة تبتهج النساء سعادة أو تكتئب تعاسة وقد تكون المرآة ذلك الشريك الصامت الذي يثير الملل في أوقات حاجة المراة للزواج ومن خلال المرآة يعرض أمام المتلقي مشاهده المتكررة من شاشة المرآة ترسم مآسي الأنثى.
ففي المشهد الأول كانت التسلل إلى جحرة الجدة وتأتي مشهدا للزمن الغابر غير المترف وهو مشهد لطفولة الراوي.
((وجدت دولابا بداخله مرايا كبيرة تميل للصفرة، يكسوها التراب والتجاعيد، سطحها المصقول جثة باردة، وحين نظرت للمرايا بدت الجدران خلفي مغطاة بالصور صور تميل نحوي، صور قديمة لنسوة، متشققة ، بالأبيض والأسود، و أخرى زاغت ألوانها، صور باهتة لوجوه فتيات ترنو نظراتهن للبعيد، صور لصبايا في عمر الورد تعلو وجوههن قترة.))
أن المشهد أتي بصورة للزمن المتعب والموجع وكأن الدولاب والغرفة والصور فيه كثير من الأسرار وهو الزمن الماضي لمح إليه(( مرايا يعلوها تراب وتجاعيد؛ سطحها المصقول جثة باردة وصورة متشققة وزائعة الألوان حتى الصبايا تعلو وجوههن قترة)) تاريخ من المآسي للمرأة والعميق أن الغرفة وهي غرفة النوم عبارة عن سجن للمرأة فهي جثة بلا مشاعر بلا حياة على الرغم من الجمال(( المرايا الصقيلة ، صبايا خدودهن كالورد عليها قترة))
وكأن النص يرسل رسالة عميقة أن المرأة مضطهدة ومهملة برغم جمالها عبر الزمن حتى صفرة المرآة هي ترميز للمرض والجهل ومحاطة بكثير من الأسرار والغموض وقد تكون شخصية الجدة هي رمز للقدم والسرية وربما الثقة.
لتنتقل بالمتلقي بأسلوب سردي ووصف موجع لمشهد للأم المظلومة الفاتنة التي تغمس المرود بالكحل وتحدث زوجها بألم وهي تتمزق من أعماقها بأنها ستحضر زفاف أبيها وسترقص وهي الذبيحة ((فلاتحسبوا رقصاتي بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم))
حيث ينقل السرد الصورة بشكل مأساوي والكحل يسيل من خديها.
((شيء ما شدني للمرآة، روح ما كانت تناديني تصلني بحرف المرآة، نظرت إليها مشدوها، ووجدتني أمد يدي للزجاج، وما أن لمسته أناملي حتى غاصت كل يدي. في لمحة خاطفة رأيت وجه أمي، كانت تبدو في ريعان شبابها . ياااه كم كانت جميلة، تمسك بمرود كحل حجري تغمض عليه أهدابها ، تغرسه في عينيها بوجع مرير، تتمتم: سأحضر زفافك، لن يقع يمينك، سأبدو أجمل من زوجتك الثانية، ضرتي القادمة. يسيل المطر الأسود على وجنتيها، تهذي: سأرقص وأنا ذبيحتك المسفوح دمها. أبعدت يدي عن المرايا، يراودني شعور عارم بمرارة في حلقي، ولكنني سرعان ما كررت فعلتي))
إنها ترسم صورة للرجل المتعدد والمستبد الذي لايعرف الحب ولايقدر المشاعر همه لذته ومتعتة ويرى من المرأة وعاء ليس إلا وهو الرجل النهم المستبد الشبق الظالم الذي يجبر المرأة على كل شيء ومصلحته هي العلياء.
فالدلالات تردد الظلم والقهر الجبر وكانت صورة المرأة تلك المراة المهزومة الصامتة والمستسلمة فليس بيدها أن تغير من أمرها شيئاظ
لينتقل السرد بالمتلقي إلى صورة أخرى لعلاقة بالرجل بالمرآة لتاتي بصورة العمة العانس وجاءت بصورة الرجل (( الأب)) الذي لم يكتف بضرة بل جاء بالضرات وتزوج بالمراة ليسلبها حقوقها المالية ناهيك عن سلبها الحق بالحياة فهو يحرم العمة(( أخته)) من الزواج كي يستأثر بالميراث حيث ينقل المشهد الثالث بوجع ولعن للأب الذي ينال اللعنات حيا وميتا من قبل العمة على
الرغم من جمالها وأناقتها محرومة من الزواج وحلمها بالاستقرار وفي حين لاتمتلك سوى الوعظ واللعن وبعد موت أخيها وهذه صورة للمراة في الهزيمة والضعف والانكسار فهناك طرف قوي مستبد وآخر مستسلم ولايجرؤ الطرف المقهورمن التفوة بكلمة في حضوره .(( وما أن لمست أناملي سطح المرآة حتى رأيت عمتي العانس، بشعرها البني الفاتح وبشرتها النضرة تضع أحمر شفاه يستعر رغبة على شفتيها المكتنزة تبتسم باستهزاء: له الزوجات ثلاث وأربع وعشرة ولي هذا الركن المقيت من البيت، حرمك الله الجنة كما حرمتني من الزواج حتى ترثني وتستأثر بميراث أبينا، قبحك الله حيا وميتا يا…. تسمي والدي انتفض اسقط على الارض، يا الله! يا الله! أي حقد هذا الذي يمتد لما بعد الموت. أي لعنات تنهال على والدي في قبره.
خرجت من الغرفة فزعة، وفي طريقي للخروج رأيت جدتي تنظر لي بحنو وعطف، و رداء أبيض يغطيها من رأسها حتى قدميها، فتحت فمها فبدت أسنانها البيضاء مصفوفة، حركت رأسها بإيماءة وكأنها تقول لي: لقد رأيتهن))
يلحظ المتلقي أن النص أبرز معاناة المرأة حد أنها لم تورد للرجل اسما سوى ((والدي أبي)) وهذه جرأة في حد ذاتها ويلحظ أن القارئ أن النص العميق الذي بين أيدي النقد كان محترفا كثيرا لأن كل سطر وجملة لها غايتها.
– جاءالمكان هو البيت للمراة غير المتزوجة لتظهره مجرد سكن وسجن كبيت الجدة والعمة.
– جاءت غرفة النوم بصورة بعشة وقبيحة فهي تعلوها الغبار باردة بلا مشاعر وبلاحياة أو أنها غارقة بالمآسي فقط المرايا هي المتعددة ومرايا بلا أرواح والمرايا رموز للتعدد في الزوجات.
– جاءت غرفة النوم بمتعلقاتها ( الدولاب ، المرآة ؛ الصور؛ المكحلة والمرود والأهداب، أحمر الشفة) لكن لم يجد القارئ صورة للسرير وهو مكان الراحة والسعادة والسكينة والحب والمودة وإشباع الرغبات وربما إهمال السرير جاء متعمدا فالحياة الزوجية زائفة ولاتمتلكها الروح وليست ملكا للروح.
– جرت الأحداث بشاشة المرآة من الاسترجاعات والمفارقات وكانت المرآة رمزا للمراة ولحياتها ولعمرها فظهرت التجاعيد والكدمات والغبار والبرود ليتنقل صورة النظرة النمطية للمرأة وتبدد عمرها وجرت الأحداث في غرفة النوم وفي مرآة وتحركت من مرآة فهذا نص مختلف ومغابر واجتماعي مأوساوي.
كانت البداية منو المرآة وانتهت بالمرآة والمرأة حين يعود الراوي لرؤية ذاته ليخلق مفارقة بين الطفولة والحياة المنهزمة واستمرارية الصورة النمطية للمرأة والنظرة أيضا.
– أظهرت المرأة بأنها فاتنة من صور المرايا التي تعلوها الغبار إلى المرايا الصقيلة إلى صورة الصبابا التي خدوهن كالورد وتنتقل بالمتلقي صورة الأم الفاتنة ومثلها العمة العانس المتأنقة.
وفي الصور كانت صورتهاو امهنزمة مستسلمة ليس بيدها لاحل ولاعقد.
فتاريخها مكتظ بالمآسي ومستمرة حياتها على هذا الشكل كما جاء في النص((مر شريط تلك الصور أمامي بعدما كبرت، كبرت كثيرا. عدت لبيت جدتي لم تكن في مكانها المعتاد، هل كانت هناك قط؟! تسللت للغرفة، للدولاب، للمرايا، حينها رأيتني، ولم أعرفني، كيف وصلت هذه الكدمات لوجهي، كيف بهتت؟ ابتسامتي، كيف سمحت له أن يترك أثار مزاجه المتقلب على معصمي، رقبتي على روحي؟
بكيت …لا لم افعل، لن تفي الدموع هذه المرة. وجدتني المس المرآة أغوص فيها بكلي، وجدت نفسي أخرج من الجهة الاخرى للمرايا، وهناك رايتهن كلهن …. كلهن.))
النهاية جاءت مخاتلة فالخروج من المرأة يعني التحرر الحياة الزوجية والمكوث داخل المرآة يشير للحياة الزوجية التعيسة والاستسلام.
وآخرا..
– جاء النص من نفس المشكاة التي تكتب به المرأة من حيث صراعها مع الرجل و المجتمع والعادات والتقاليد ومحاولة تغيير النظرة إليها بأنها روح وجسد وينبغي أن يكون لها أدوارها ولها تفاعلها المؤثر في المجتمعات.
– النص ركز على قضية الاستغلال للمرأة جسديا وفكريا وحتى ماليا وكأن النص يرسم قيود المرأة المختلفة من تعدد الزوجات إلى العنوسة إلى الحقوق الحياتية التي تمنحها الكرامة ويكون لها أدوار منافسة للرجل ويتحقق من خلالها ذاتها.
– لم تكن للمرأة شخصية ورؤية في رسالة النص فهو نص صادق وجرئ جدا من حيث رسم الأحداث في غرفة نوم وفي بيت وهو بيت الأب وكانت شخصية الأب رمزا لكل رجل مستبد وقد أرسل للمتلقي ظاهرة اجتماعية تعاني المراة سواء من حيث الاستغلال أو الاستسلام للمرأة.
– جاءت صورة الراوي رمزا للمرأة المتمردة الثائرة على الذكورة والتي تحاول كسرها وسيطرتها لتبين إنها متغيرة على غيرها من النساء المنهزمات من بني جنسها.
– جاءت لغة الجسد تبرز صورة المرأة الجميلة والمهملة آن واحد والتي لاتمتلك سوى الدموع واللعنات والصمت فيتمادى الطرف الآخر في غيه وأيضا من خلال جسد المرأة تود الكتابات تغيير النظرة إليهن بأنه ليس مجرد وعاء ومتعة فاتخذن منه منطلقا رمزيا للنقد السياسي والاجتماعي وحتي الفكري مكان ثري وخصيب.
– جاءت نقمة المرأة على الرجل في حال غيابه أو موته كما جاء في مشهدي الأم والعمة ليعكس المشهدان صورة لاستبداد الرجل وصورة لانهزام المراة واستسلامها فالرؤية تسخر من المرأة أكثر من الرجل.
– جاء العنوان محترفا كثيرا فالمخرج ثقب من نور استجد لمغايرة الواقع المأساوي بالنسبة للمرأة وهو اسم مكان يعد ثغرة للانطلاق أو العودة للمكان نفسه وللحياة ذاتها.