كانت هي كل ما أبقته الحياة لجدتها، وكانت هذه الجدران هي كل ما أبقاه التأميم لهما. وكان ما تحصلان عليه من بيع الأيسكريم وحلوى التانجو واللانجوس هو كل ما يبقيهما على قيد الحياة.
تذهب كل مغرب لشراء الفول من إحدى مقاهي المدينة، وتقف كعادتها مشدوهة تتأمل الأشياء الجميلة التي يبيعها عم محمد على طاولته الخشبية بجانب المقهى، من ألعاب ومناديل ملونة وأخرى مطرزة، وبطائق تهنئة ذات ألوان ورسوم رائعة، بالإضافة إلى مشابك الشعر الجميلة وبعض الساعات الرقمية الملونة.
ذات مغرب كانت على طاولة عم محمد دمية (عروسة) ذات عينين زرقاوين وشعر أشقر، وثياب أميرة تشبه ثياب العيد.
وقفت مبهورة أمام هذا المخلوق القادم من قصص الكرتون وعالم الخيال. سألت عن ثمن الدمية، كان المبلغ أقل مما تستحقه هذه الأميرة، ولكن أكثر بكثير من أن تتجرأ وتطلبه من جدتها.
عادت حاملة طاسة الفول في يدها، وصورة العروسة في قلبها وعقلها، وراحت تصف لجدتها جمال ما رأته، وكيف أن هذه الدمية تبدو حقيقية فعلا، والتي لا تشبه أبدا عرائس القصب التي تصنعها .
وهكذا استمر الحال لفترة، تذهب لشراء الفول وتقف تتأمل العروسة، ثم تعود إلى البيت لا حديث لها إلا عن هذه الأميرة التي تجلس على طاولة عم محمد.
حتى جاء ذلك المغرب الذي تفتح فيه جدتها صرتها وتفرغ محتواها لها، لتشتري به هذه العروسة. لم تصدق أنها تملك ثمن العروسة الذي لم تطلبه أبدا. ركضت إلى السوق قابضة على حلمها في يدها، حتى وصلت إلى طاولة عم محمد، نظرت إلى أميرتها، تأملتها، لم ترَ زرقة البحر في عينيها، كانت ترى الصرة السوداء التي أصبحت فارغة تماما.
سألها عم محمد كعادته، هل أعجبك شيء؟ وكعادتها ردت بكلمة (لا)!