نذر / بقلم : صوفيا الهدار ( اليمن)

 

حملت كل أوراقي، وأحلامي، حثثت الخطى، بدا لي الطريق طويلا، وسعادتي بعيدة، وفي رواق طويل وقفت انتظر دوري، أرهقتني الإجراءات، تحملت الكثير من السخرية، جهزت الكثير من الوثائق والتوقيعات، ودفعت الكثير من المال. لم يتبقَ أمامي إلا الخطوة الأخيرة لأولد من جديد، باسم آخر.
حملت اسما لا أحبه لسنوات، احتملت وخزه على صدري ست وعشرين سنة ، وعندما توسع الثقب في قلبي، هويت في بئر العزلة السحيق….
في طفولتي لأن أمي تناديني به،  اعتدت عليه، ولكن عندما بدأت أعي ما حولي، أدركت قبحه. الخلافات مع رفاقي الصغار تبدأ وتنتهي بالسخرية منه، والكبار يضربون رأسي ويضحكون عندما ينادونني به.
كنت أغضب من والدتي، أصرخ في وجهها، أعاتبها، لماذا اختارت لي هذا الاسم؟!! ، تحدثني عن نذر نذرته، وخمسة أجنة مع الله، وأشياء كثيرة لا أفهمها، أركل كل ما حولي، أضرب الأشياء، أهم أن أضربها، فأرى دمعة في عينيها، وتقول: إنه نذر  يا ولدي، ورغم أنني لا أدري ما هو النذر، أرتمي في حضنها، أبكي، أهدأ، وأغفو، فتطمئن، وتقول: غدا يكبر ويفهم، وكبرت، ولم أفهم….
غصت طويلا في صمت أعزل ، لكنني لم أكف عن جلدها  بنظرات العتاب.. .
فعندما نادت المعلمة باسمي في أول يوم للمدرسة، ضحك الأطفال، وضحكت هي، انكمشت، تمنيت لو أختفيت في أقرب ثقب.
ولأنني لا أحبه، تأخرت كثيرا في تعلم كتابته، ورغم أنني كنت أعرف الإجابات لكنتي لم  أشارك في الصف أبدا،.
ولإثني عشر سنة، كان وقت تحضير التلاميذ أسوأ ما في المدرسة، ولهذا كنت كثير الغياب عنها.
انطويت، وأخذت أحفر في داخلي، غرست نفسي في طاولة الكتابة، كتبت الكثير من الأشعار والنصوص الجميلة، ولكن تحت اسم مستعار.
عندما أحببت فتاة، أخفيت مشاعري. أرسلت لها رسائل حب وأشعار، وعندما أغرمت بالكاتب، صارحتها، لكنها ترددت كثيرا، ثم انسحبت، فلم تكن على استعداد لتربط اسمها باسمي.
ولأني لا أملك شهادات، كانت فرص العمل صعبة، ولكن الأصعب بالنسبة لي أن أحمل شهادات بذلك الاسم.
توالت الضربات على رأسي، زاد انطوائي، صَدِئت روحي بمرور الأيام، كان حلمي اسما أستطيع أن أواجه به الحياة. حلمت… ،كتبت قوائم طويلة، احترت بينها، ثم اخترت أحبها.
النذر… النذر ، ما ذا لو أصابك مكروه إن غيرت الاسم؟!  ندبت أمي…
أفقت من ذكرياتي البائسة  على صوت الموظف، ناداني، ركضت نحو الشباك، تسلمت شهادة ميلادي، وأوراق ثبوتية أخرى باسم جديد، خنقتني عبرة، وترقرقت في عيني دموع فرح، سرعان ما انداحت على خدي.
هرولت نحو الشارع، ركضت في الحواري بكل ما أوتيت من فرح، وددت لو أخبر العالم أنني ولدت من جديد… ولكن مع كل نداء : ” يا مسمار”… ، أجدني أجيب !!!

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!