هل فكرت في يومٍ من الأيام أن تمسك بورقة وقلّم وأن تصف واقعك الذي تعيشه في حياتك اليومية ؟
هل تسيطيع أن تفعل ذلك باستخدام كلمات عربية أصيلة ؟ فهل ستتمكن من فعل ذلك دون ذكر (الانترنت – الفيسبوك – توتير – موبايل – تلفاز – لابتوب……) وغيرها من الكلمات التي تدل مصطلحات تكنولوجيّة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا ؟
إليك الإجابة لن تستطيع أن تفعل ذلك .
وهذا يضعنا أمام سؤال آخر فهل السبب في ذلك هو ضعف اللغة العربية وانحدارها وسيرها إلى طريق الاندثار؟
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ لنا من الرجوع إلى أقدم النصوص العربية التي وصلت إلينا ودراسة ألفاظها ومن ثمّ السير تاريخياً مع النصوص العربية ورؤية تأثير تقدم الحضارة العربية واختلاطها مع الأخرى على أصالة ألفاظها .
- أصالة الألفاظ في العصر الجاهلي :
لمّا كان الشعر هو الجنس الأدبي الطاغي على الأدب العربي طوال عصورٍ متتالية فإنّ ذلك يجعل ذكر الشاهد الشعري أمراً كافياً ودليلاً قاطعاً على أصالة الألفاظ .
فإذا نحن عدنا إلى أحد أقدم النصوص الأدبية الموجودة بين أيدينا وهو معلقة أمرؤ القيس وتحديداً إلى البيت الذّي يصف فيه جمال محبوبته بقوله:
” مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل “1
والسجنجل بحسب معجم لسان العرب لابن منظور ” كلمة رومية الأصل معناها المرآة “2 واستخدام أمرؤ القيس لهذه الكلمة غير العربية لم ينقص أبداً من بلاغته أو قوة قصيدته بل على العكس تماماً فقد زادها قوة فهو استخدم كلمةً كانت معروفة لدى أهل الجاهلية وقتها وهذا يدل على أنّ العرب في الجاهلية لم يكونوا منغلقين على أنفسهم بل كانت بينهم وبين غيرهم من الحضارات تبادل ثقافي وهذا يدل أيضاً على إطلاع أمرؤ القيس نفسه على تلك الحضارات .
- في العصر العباسي :
جميعنا يعلم أن القصيدة العربية في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام كان لها بنية أدبية خاصة وذلك ما ذكره ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء “أن مقصد المقصد إنما ابتدأ فيه بذكر الديار والدمن فبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سبباً في ذكر أهلها الظاعنين عنها “3
أي أن أغلب القصائد في ذلك العصر كانت تبدأ بمقدمة طللية وكان هنالك معجم أدبي خاص بالطلل وألفاظه وكلماته … ولكن وعندما بدأ العرب في العصر العباسي بالاستقرار وتأسيس مدن حضارية
ولم يبق َ التنقل والترحال جزءاً من حياتهم فلم يبقَ هنالك طلل ولم يبقَ هنالك داعٍ لابتداء القصيدة بمقدمة طللية ما ندثر معجم الطلل وحلَّ مكانه معاجم أخرى لابتداء القصيدة ولكن ذلك لم يُنقص أبداً من قوة الأدب العربي وبلاغته بل على العكس تماماً فقد كان ذلك التطور سبباً في ظهور عمالقة الشعر العربي من أمثال : أبي تمام – البحتري – المتنبي – أبي فراس الحمداني …
فمثلاً لو أخذنا قصيدة أبا تمام في وصف فتح عمورية والتي مطلعها:
” السيف أصدق إنباء من الكتب في حدّه الحدُّ بيت الجدِّ واللعب “4
فلا نجدها مثلاً تقل فصاحة عن معلقة زهير بن أبي سُلمى على الرغم من أنها لم تبدأ بمقدمة طللية .
- في العصر الأندلسي :
عندما ترّك العرب بلادهم واتجهوا نحو الأندلس وجدوها بلاداً مختلفةً عن بلادهم من حيث جمال طبيعتها فظهر فرع من فروع الشعر هناك لم يكن موجوداً في المشرق العربي وهو الشعر الذي موضوعه وصف الطبيعة وجمالها وأدخل معه بالضرورة كلمات وألفاظ جديدة على اللغة العربية والأدب العربي .
ونتيجةً لاختلاط العرب مع سكان البلاد الأصليين وامتزاجهم مع ثقافتهم ظهر لدينا جنس أدبي جديد وهو الموشح الذّي كان خارجاً في بنيته ووزنه عن ما كان متعارفاً عليه في السّابق وحاملاً معه ألفاظاً وكلماتٍ جديدة دخلت إلى اللغة العربية وهذا أيضاَ لم يدل على ضعف اللغة العربية أو سيرها على طريق الاندثار بل دلَّ على سعة اللغة العربية وقدرتها الفريدة على احتضان غيرها من اللغات والثقافات.
وبالقياس على ذلك أجد أن استخدامنا للكلمات التي تدل على التكنولوجيا أثناء كتابتنا باللغة العربية لا يعتبر ضعف أو قصور فيها ولا يدل على سيرها على طريق الاندثار بل هو قوة لها تدفعها نحو البقاء والاستمرارية
وفي الختام أود أن أنوه إلى أنني أقصد استخدام المصطلحات التي لا يوجد لها مرادف عربي قريب من الفهم ولا أقصد أبداً من يتبجحون بكلماتٍ غير عربية من باب التباهي أو إدعاء الثقافة.
بقلم:تغريد السيد أحمد