لصحيفة آفاق حرة
يحدث أحيانا
شيء غامض يعقد روحينا في مشكاة واحدة. يفهمني وأفهمه وإن فرّق بيني وبينه النّوع واللّسان.
ذات يوم وأنا في عرض الشهباء هاج وماج وملأ الجوّ نباحا، فلتفتّ حولي فكانت الأرض خالية ممّا سوانا…
فجأة ينشقّ الترّاب على هامة سوداء تدور حول نفسها في جنون…
حين أفقت وجدتني مطمورا في الرّمل وكلبي يرقد على رأسي كأنّه يحميني، مثخنا بالجراح…
دولة الظّلّ
تحرّك الظّل إلى كرسيّ السّلطان فقلبه. ومدّ يده إلى أطولهم لسانا فجندله. ونفخ في مزماره الغريب. فما من أحد بلغته نغمته السّاحرة إلّا ونزع ثوبه ونفش شعره وتقيّأ وخبط وصرخ وأرعد وأزبد…
حاصرنا الظّلّ بالصّراخ وتلويح الأذرع… فجأة اختفى. لكن في الغد برزت ظلال كثيرة أشدّ قتامة فما هي حتّى صرخت أمّي: إنّي أغرق، أغرق…
من وراء القضبان
وخياله ملتهب بصور النّساء أومأ إليه:
- أرأيت ذلك الأمرد. كم هو شهيّ!
- بماذا تفكّر؟
تعلو قهقهته…
- أنت شيطان.
- إنّه كرئيس السّجن حلاوة وطراوة.
- ولئن فعلتها فالمؤبّد.
- آه، إنّني لا أبيت ليلي…
يتقدّم الأمرد صامتا وفي لمح البصر يأخذهما أخذ جبّار…
“سامِحنا أرجوك “!
مأدبة للغبار
صفّفها أمامه وراح يتأمّلها بذاكرة مشرّعة. رآه يمتطي صهوات الرّيح، ويحلّق بعيدا في سماوات الخيال. يقطف من بلاد السِّحر ثمار المعنى… ورآه في فحمة دامسة يغشاه الصّمت والبرد…
تحسّسها بأنامله كما يتحسّس رضيعا.. عمد إلى قشّ فغطّاه بها.. سمعها تهمس:
“تبًّا للنِّسيان. “
وهو يتنفّس بربع رئة:
“النّار أكرم لكِ من الغبار“!
… وتصاعدت كتبه دخانا!