لصحيفة آفاق حرة
.قراءة في رواية: سوسروقة خلف الضباب
.الكاتبة. زهرة عمر
نشر. ازمنة…
.ط1. ورقيه 2001
بقلم. أحمد العربي
زهرة عمر كاتبة اردنية من اصل شركسي. و “سوسروقه” بطل شركسي أسطوري. والرواية هي اقرب لسيرة ذاتية للكاتبة في بيئتها الاجتماعية كشركسية في أوائل القرن العشرين. ما حصل مع أهلها. والتغيرات السياسية والحياتية في ذلك الوقت إبان سقوط الخلافة العثمانية. واحتلال الإنجليز والفرنسيين للمشرق العربي. في ما عرف إتفاق سايكس بيكو. وخاصة حياة الكاتبة بين معان وعمان المدينتين الأردنيتين في مرحلة حضور الشريف حسين وأبنائه، و إنشاء إمارة شرق الأردن.
تبدأ الرواية من الجده الملقبة (ناشخوه) وهي على فراش الموت. وحولها اولادها وأحفادها. يراقبونها منتظرين وفاتها بين لحظة وأخرى. أما هي الجده فقد كانت تعيش عوالمها الخاصة. مستحضرة والدها المتوفى منذ سنوات بعيدة. وهي المعمرة أيضا. تستعيد معه بذاكرة متسلسلة حياتهما المشتركة ومن خلالها حياة الشركس في تلك البلاد. تستعيد معه بلادهم قفقاسيا. التي أجبروهم على تركها في القرن التاسع عشر. حيث فرض عليهم الروس خيارات كلها سيئه. فإما اعتناق الدين المسيحي، بينما هم مسلمون. أو الانتقال إلى مناطق قاحلة. وترك بلادهم الخيرة والوفيرة. أو الرحيل الإجباري إلى بلاد الخلافة العثمانية للعيش بين المسلمين ومعهم. أو القتال بمواجهة الروس والفناء. وذلك لقوة الروس وحكمهم القيصري. وقلّتهم وضعفهم. كان الحل الممكن الرحيل إلى بلاد السلطنة العثمانية. انتشروا في بلاد الإسلام الواسعة. من مصر لسوريا وفلسطين والأردن والأناضول وصولا إلى البوسنة والهرسك في أوروبا. تتذكر الجده ما عانوه في تهجيرهم القسري. من قتل ومن اغتصب. وما تركوا خلفهم من بلاد وذاكرة وحياة بكل تفاصيلها. تتذكر وتتحدث مع والدها وهي بين الحياة والموت. مسترجعة كل اعتقاداتهم الاسطورية. عن بلادهم وتميزها، وعنهم. عن قوة رجالهم وجمال نسائهم، وعاداتهم وأعرافهم في كل شؤون الحياة. وان تشردهم اثّر على درجة الالتزام بهذا التراث وتلك العادات. ملابسهم التقليدية أُهملت. واصبح همهم البحث عن لقمة العيش والبحث عن عمل ووجود ارض تأوي وحياة ممكنة. هم استقروا في منطقة معان الأردنية. ووالدها كان فارسا لم يستطع أن يستوعب ما حصل معهم. لم يتقبل فقرهم وتشردهم. فاعتمد على السطو لتأمين سبل العيش كفارس يخوض معاركه ليستطيع الحياة ويستحق جدارتها. لكن ذلك لم يكن ليستمر فقد حاصرته القوات الحكومية وحبسته وجعلته يبحث عن سبيل عيش مختلف. اما الشباب الشراكس عموما فقد توجهوا للالتحاق بالجيش العثماني، عساكر يخدمون فيه ويؤمنون لقمة عيش حياتهم بعدما أصابها من متغير. لكن ذلك لم يستمر، فقد بدأت في بداية القرن العشرين الأعمال الجديّة من الدول الأوروبية لإسقاط الخلافة العثمانية، المسماة الرجل المريض، وكيفية اقتسامها بينهم. كانت بريطانيا قد تواصلت مع الشريف حسين حاكم مكة المكرّمة واتفقت معه على ان ينقلب على السلطنة العثمانية، وعدته بأنها ستساعده في بناء دولته العربية الكبيرة في الحجاز والمشرق العربي. وضع الشريف حسين يده بيدهم وقاتل معهم العثمانيين. خرج العثمانيين وقُسّم المشرق العربي بين الفرنسيين والانكليز. كان نصيب منطقة شرق الأردن للانكليز، الّذين صنعوا منها امارة، وبدؤوا ببناء مدينة عمّان لتكون عاصمة للدولة الوليدة. جاء الشريف حسين وابناؤه للاستقرار بها. كان أغلب الشباب الشركس جزء من الجيش العثماني. قاتلوا مع العثمانيين ضد الانكليز والشريف حسين، خاصة وانّهم اعتبروا العثمانيين هم من انقذهم من بطش الروس، استقبلوهم وسكّنوهم في بلاد الخلافة كاملة. انسحبوا معهم الى الاناضول، لكن اهلهم عانوا لغياب المعيلين لهم، وتحولهم بين عشية وضحاها إلى خارجين على القانون، وحياتهم ساءت. لكنهم سرعان ما استطاعوا أن يبرموا اتفاقات مع الشريف حسين والانكليز، ونقلوا ولاءهم لهم وصاروا جزء من جيش الشريف حسين الوليد، و صاروا القوة الأهم عنده والمسؤولين عن أمنه بشكل مباشر. تتحدث الجدة وهي على فراش الموت عن حياتهم في معان ثم في عمّان الوليدة التي بدأت تكبر وتمتد، عن عاداتهم وتقاليدهم، شبابها وجمالها وما صادفها من أمور الحياة، زواجها من شركسي وإنجابها ابنة وابن، وفاة زوجها، محاولة أهلها تزويجها من أخ زوجها، لكنها ترفض، منتظرة فرصة أفضل، مخالفة بذلك عاداتهم. تتعرف على ضابط شركسي وتحصل بينهم قصة حب ويتفقوا على الزواج، لكن ذلك لا يحصل لأنه قتل من قبل الثوار، ايام بداية الصراع بين العثمانيين والانكليز والشريف حسين. ثم تتزوج أخو زوجها المتوفى، وتنجب منه بعض اولادها ايضا. تنتقل الجدة بين تذكر للبلاد المفقودة التي تعتبرها جنتهم المفقودة، وبين توزع الشركس على البلاد المجاورة بين الأردن والجولان السوري، علاقة التزاوج والتقارب بينهم، وكونهم اختاروا البلاد الأقرب لبلادهم من جهة الطبيعة واقرب لنمط الحياة. الاسطورة والفلكلور والعادات حاضرة بينهم بشكل كبير. ركزت الجده على مآلات الشركس في الصراعات التي حدثت في بداية تشكيل امارة شرق الأردن، التي حصلت بين بعض العشائر والشريف حسين ومن معه، وكيف كان نصيب الشركس أن يكونوا ضحايا هذه الصراعات، بعضهم مع الشريف وبعضهم مع اعدائه. يُقبض عليهم ويعدم بعضهم. ويصلوا اخيرا لمرحلة يكونوا القوة الاهم في جوار الشريف وحرسه الشخصي. تنتهي الرواية والجدة ما زالت تعاني سكرات الموت متذكرة بعض أقربائها في فلسطين. زيارتها إلى بيت المقدس وبداية مشكلة الفلسطينيّن مع اليهود و تشكيل دولة الكيان الصهيوني، و مأساة تشرّد الفلسطينيين. قائلة ها هنا قصة شعب مثلنا يبدأ تشرده الآن. الرواية مهمة من زاوية التأريخ لمرحلة معروفة؛ ولكن من وجهة نظر مكون مجتمعي في الأردن وهم الشركس. كما أن حبكتها الفنية متماسكة، كانتقال بين الذاتي النفسي والحياتي والتاريخي لمرحلة مفصلية في تاريخنا العربي عموما. الرواية استعراض ضمني لما حصل من استثمار قذر لحق العرب بدولة عربية مستقلة. واستخدامنا لضرب الخلافة العثمانية، بغض النظر عن سلبياتها. ونكون كعرب ضحية احتلال جديد من الاستعمار الأوروبي لنا. وزّعت المنطقة كدول وليده بين الإنكليز والفرنسيين. فرنسا أخذت سوريا ولبنان . والانكليز أخذوا فلسطين والعراق والأردن. ينفذ الإنكليز نتيجة ذلك وعد بلفور للصهاينة بتحويل فلسطين وطنا قوميا لليهود. الذي سيؤدي إلى هجرات متتابعة من اليهود إلى فلسطين. ثم مساعدتهم لتشكيل دولتهم (إسرائيل) وذلك عام 1948. حصلت المجازر، وتشرد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى البلاد العربية المجاورة، الذين أصبحوا عبر عشرات السنين ملايين. كما توسعت (إسرائيل) بعد حرب وهزيمة الدول العربية عام 1967. نتيجتها مزيد من التشريد. الآن وبعد ما يزيد عن نصف قرن مازال التشرد مستمر. والدول الوليدة أصبحت دول استبدادية تابعة للمستعمر القديم مستغلة لشعوبها. مازالت رحلة العمل العودة للوطن فلسطين مستمرة، وأمنية رحلة العودة لمشردي سورية والعراق واليمن..الخ، بعد اغتيال الربيع العربي مستمرة. ما زالت معركة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية مستمرة ومشروعة منذ أكثر من قرن للأن
.لكي لا ننسى
….