لصحيفة آفاق حرة
الزمهرير السوري والموت الأبيض المتكرر
بقلم. محمد زعل السلوم. سوريا.
لفت نظري في موجة الصقيع شتاء هذا العام 2022، الصورة المأساوية لسكان الخيام من أهلنا في الشمال السوري المنكوب وغيرها من مخيمات اللجوء، وبالأحرى لم يلفت نظري وإنما أوجعني كالعادة، وهي صور متكررة ومؤلمة كل عام منذ حوالي العقد من الزمن.
والقضية الثانية أو الصورة الثانية بالأحرى والتي انتشرت بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي فهي لقطة يد نائب رئيس الأركان التركي الذي أمضى أسبوعين في الشمال السوري وقد تقشرت من شدة البرد، وهي ثاني أشهر يد نراها في ذاكرتنا السورية بعد يد سليماني وخاتمه بعد أن أفناه دونالد ترامب في مطار بغداد، وهو القاتل المعروف للأطفال السوريين. ربماعبرت الصورة الأولى أي اليد التركية عن حجم المأساة وعن روح التضامن والثانية عن نهاية مجرم.
أما النقطة الثالثة التي تزامنت بين كل هذا هي حملة أبو فلة للتضامن مع خيام الموت الأبيض وفضيحة منظمة الأمم المتحدة بسرقتها العلنية لنصف المبلغ الذي جمعه من التبرعات على اسم السوريين في دبي بحجة دفع رواتب موظفيها تارة وبحجة دفع نصف المبلغ لغايات “انسانية أخرى” لا علاقة لها بكارثة الزمهرير السوري المتكرر كل عام، والذي يذهب ضحيته أطفال لاذنب لهم سوى أنهم ولدوا في أوطان خاطئة وعناوين خاطئة وعلى أرض وكرة أرضية خاطئة.
أما الصورة الرابعة فهي مقارنة لجبل جليدي في آيسلاندا قرب القطب الشمالي قبل 100 عام وصورته الآن وقد اختفى بشكل شبه كلي، وكأن الانترنيت الدولي يود القول لنا كإعلام النظام بأن الناس يفرحون بالأمطار ويعبرون عن فرحهم في تغطية ساذجة بداية الثورة السورية بأنه لا مظاهرات في ذاك المكان. وأن السوريين اليوم “يهددون” الفرح العالمي “المثلج للصدور” و”يعيقون” عملية إنقاذ الأرض من الارتفاع الحراري للكوكب التعيس ببكائيتهم السنوية. وأنهم السبب الرئيسي لثقب الأوزون وسخونة الكوكب.
الصورة الخامسة هي تساقط الثلوج الجميلة حول القلاع اليابانية البديعة العمران، ليقول لي الانترنيت بأن أنظر وتحسر وقارن بين شعوب حصينة ومستقرة تراقب تغير المناخ بفرح، وبين شعب لا حول له ولا قوة سوى انتظار الموت.
كان الثلج في الماضي لدى السوريين مبعث الخير والراحة وإشارة لموسم ربيعي مكلّل بالأزاهير والاخضرار وفرحة الفلاحين وتراجع الأسعار واللحم الوافر للمواشي، اليوم بات لعنة مزمنة ومأساة مؤسفة وكأن هذا الزمهرير فصل إضافي من فصول الجحيم السوري الذي يبدو بلا نهاية.
الصورة الأخيرة أغنام المنطقة الشرقية السورية وهي السلة الغذائية الفعلية للسوريين طوال العام تعلن نفوق مئات رؤوس الماشية من الأغنام والماعز بسبب موجة الصقيع الشديدة وغلاء أسعار الأعلاف لإنقاذها من الجوع وزربها في الحظائر لتحصل على الدفء اللازم بدل نشرها لتموت في الخلاء، وكأن المنطقة الشرقية لا ينقصها غلمان جبال قنديل وغلمان الدواعش وغلام الشام وحروب النفط والغاز والقمح والمياه وتفريغ سكان تلك المنطقة من أبنائها.
لن يشعر بالنهاية بالوجع السوري سوى أصحابه، وكتبت هذا المقال الجوال ببساطة بسبب عنوان زمان الوصل “الموت الأبيض” المترصد للسوريين في خيامهم، نعم إنه الموت الأبيض لينضم لقائمة القتلة والسؤال الأخير هل يمكن للموت أن يوقف الموت؟ فمن الموت الصامت في سوريا (الكورونا) للموت الصامت الأبيض (الثلج) لنجد الجسد السوري المسجى تارة على الحدود البيلاروسية البولندية وتارة على حدود اليونان وتارة أخرى على حدود ألبانيا، واليوم حتى في قصورهم البالية المشيدة والتي يضربنا العالم ليل نهار منة بأنه قدمها لنا وهذا الكفن الأبيض المسمى خيمة والتي لا تقي حر صيف ولا برد شتاء.