إلى “أبو علي” لعلّهُ يعذرني..
يا “بو علي”
قد غادَرَ الشُّعراءُ
وتنازَلت عن رملِها
البَيداءُ
نَمْ ملءَ لَيلكَ
هانئًا
مُتدثِّرًا
فلقد غزانا البَردُ
والوعثاءُ
نَم
لا تُفكِّر بالرّجوعِ
فعَصرُنا
عَصرٌ سيرفُضُ ذُلَّهُ العُظماءُ
والدّارُ بعدَ توهّمٍ
قد هدّها
خذلانُها
واليأسُ
والإعياءُ
غابَ الذين على ضِفاف
قلوبهم
وُلِدَ الكلامُ
وأينعَت أسماءُ
غابَ الذين تُحبُّ
وانفضَّ الهوى
مِن بعدِكم
وتفرَّقَ النُّدَماءُ
غابَ المساءُ
ومنذ آخر ليلةٍ
ما زارَ حلمَ العاشقينَ
مساءُ
ما مرَّ بالدّارِ الحزينةِ
عاشقٌ
من يومِها
فكأنَّها جَرداءُ
وكأنّ مَن كبروا
على عتباتها
تركوا مشاويرَ الصّبا
وتناءوا
هي هكذا الأيامُ
هذا طبعُها
لم يَنجُ من ترويعها أحياءُ
أُنبيكَ
ما أُنبيكَ
إنّ زمانَنا
وَهمٌ
وإنّ حياتنا جوفاءُ
أُنبيكَ أنّ سفينةً
أرخَيتَها
عَصَفتْ بها ريحُ الخَنا
الهوجاءُ
والحالُ
ما عادت تُسّرُّ لحالِها
لا الأصدقاءُ هُنا
ولا الأعداءُ
والنّاسُ أشبهُ ما تكونُ
بِهالةٍ
لا آدَمٌ فيها
ولا حَوّاءُ
وَهْمُ الحضارةِ
عاثَ في أوصالِنا
وسَطا على أحلامِنا
الغُرَباءُ
بعضُ الرّجالِ تأنَّثت أسماؤهم
واسترجَلت عند النّساءِ
التّاءُ
وتبَدّلَ التاريخُ
ما عادَ الذي
تزهو بهِ الأجدادُ
والآباءُ
ماتَتْ خيولٌ
كان وقعُ صَهيلها
رعدًا
تَخرُّ لِهولهِ الأنحاءُ
ما عادَ من سيفٍ يُسَلُّ لِمشهَدٍ
ما عادَ في قاموسِنا
هيجاءُ
لم تَبقَ ياءٌ للنّداءِ
تهُزُّنا
عند اللقاءِ
فياؤنا استجداءُ
يَبِسَتْ حروفُ الضّادِ
في أفواهِنا
وطغا على إعجازِها الإنشاءُ
بيعَت بسوقِ نخاسةٍ
ونجاسةٍ
لمّا اعتلى صهواتها
الأُجَراءُ
يا “بوعلي”
ماذا أقولُ
وفي فمي
مما أرى حولي
تفيضُ دِماءُ
في المشهد العبثيّ
تضطربُ الرُّؤى
وتفرُّ مِن أشيائها
الأشياءُ
لم يبقَ لي وجَعٌ
أُجرِّبُ دَمعَهُ
ماذا يفيدُ على القتيلِ بكاءُ؟
في المشهدِ المنبوذِ
تخرجُ طُغمةٌ
من كارهينَ
عَمتهُمُ البغضاءُ
ركبوا ظهورَ الشِّعرِ
دونَ درايةٍ
والشِّعرُ ممّا يدّعونَ
براءُ
كَبروا بظلِّ الذلِّ
ثم تَرَعرَعوا
فينا جراثيمًا
فكان الدّاءُ
ربّوا كلابًا
كي تهُزَّ تشَكُّرًا
أذنابَها
فنُباحُها استرضاءُ
ولهاثها خلف الفتاتُ
تعَبُّدٌ
ونفاقُها للزّائفينَ رياءُ
وبكاؤها
دمعُ التماسيحِ الذي
بخِداعِهِ “ياما” أُريقَ حياءُ
في المشهدِ المذبوحِ
ثَمَّةَ بائعٌ
ومُقامِرٌ
ومُصَفِّقٌ
وعُواءُ
وعباءَةٌ
وعمائمٌ قد أدمَنتْ
هزَّ الرؤوسِ
وضحكةٌ رعناءُ
أرباعُ كُتّابٍ
وسُمٌّ ناقِعٌ
وصفاقةٌ تندى لها الجُلَساءُ
سرقوا مَذاقَ الشِّعرِ
مِن أيّامِنا
فهُمُ وقُطّاعُ الطّريقِ
سَواءُ
فرحونَ
والدُّنيا على أشلائهِم
تبكي
وأحرى أن يُقامَ عزاءُ
يا صاحب الشُّعراءِ
هذا موسِمٌ
يطغى على أعلامِهِ
الُّلقطاءُ
ما عُدتُ أرجو في القصيدةِ
مغنَمًا
فلقد تكاثَرَ حولَها السُّفهاءُ
سأقولُ للدُّنيا
بكل بساطَةٍ
أنا آخرُ الآتينَ
إن هُم جاءوا
أنا شاعرٌ
لا تستريحُ قصيدتي
خمري الكلامُ
ونشوتي الضّوضاءُ
أمشي على ظلّي
لأبلغَ غيمةً
لم يَدنُ منها بَعدُ
ذاكَ الماءُ
أتحسَّسُ الفصحى
كأعمى لم يَزل
يرجو بأن تتبدّدَ الظّلماءُ
أحسَنتُ
كم أحسَنتُ
حينَ قصيدتي
ضاقت على أعناقِهم
فأساؤوا
هي صوتيَ الممدودُ
خيطًا للسّما
فليقرءوا في سَطرِها
ما شاءوا