لصحيفة آفاق حرة
حرف الدال
قصة
بقلم. نجيب كيَّالي
في صباح ما يُسمَّى: عيد الفطر السعيد من سنة ٢٠٢٢ دخل العيد باكراً إلى بيوت أحد السوريين. تجوَّل العيد في نواحي البيت، لم يجد أيَّ ثيابٍ جديدة، لم يعثر على قطعة حلوى واحدة! لا زهرَ، لا بالونات، لادلَّةَ قهوة تفوح منها رائحةُ الهال!
فتحَ بابَ الثلاجة في المطبخ، كانت الكهرباء مقطوعة! رأت عيناه حبَّةَ بندورة واحدة، ونصفَ حبَّة من البطاطا المسلوقة، وبقايا أرغفةِ خبز!
ارتجف قلبُ العيد، اتجه إلى غرفة النوم رأى رجلاً نائماً هزيلَ الجسم مضطربَ الأنفاس، تسلَّلَ مع أنفاسه إلى داخل رأسه.
يا ألطاف الله ما هذا؟!
وجد في داخل الرأس ثلاثةَ رجال يشبهون الرجل النائم.. الأول يحتضن زوجةً ماتت على باب المستشفى ولم تجد سريراً! الثاني: يقف أمام شاطئ بحر، ويصرخ: أريد ابنتي وأسرتُها، استقلُّوا قارباً مطاطياً نحو اليونان هرباً من الحرب السورية. قيل: إنَّ القارب غرق وأنا لا أُصدِّق.. أريد ابنتي.. أريد ابنتي. الرجل الثالث يحمل بيده ساقَ طفل فيها جرح مَخِيْط، يضمُّ الرجلُ الساقَ ويبكي قائلاً: هذا ما عثرتُ عليه من جسد ولدي في منزلنا القديم بعد القصف، كان وحيداً في المنزل، وقد أصابت ساقَهُ شظيَّة قبل أيام من القصف الجديد، فقمنا بإخاطة جرحه، في القصف الجديد تفتَّتَ المنزل بكل مافيه، ولم يتبقَ من أصغر أولادي بسَّام سوى هذه! يضرب الرجل على صدره، ويتابع بنبرةٍ راجفة: بسَّام.. تعال، وخذ ساقَكَ معك إلى الجنَّة.
بسرعة نزل العيد من رأس الرجل، فهو لم يعد يحتمل اللوحات التي رآها فيه، وجد جسدَهُ يرتعش فوق فراشه من برودة الصباح، حاول تغطيتَهُ، لكنَّ الغطاء كان قصيراً، سحبَهُ نحو رأسه، فانكشفتْ قدماه! سحبَهَ نحو قدميه فانكشف رأسه!
غادر العيد البيت بصمت، وهو منكَّسُ الرأس، زار بيوتاً سورية أخرى، فوجد ما هو أسوأ وأوجع!
أخذ العيد يمشي في الشوارع بخطاً شائخة، وأمام واجهة أحد المحلات تأمَّلَ وجهَهُ في الزجاج، فذاب هناك كشبح في أحد أفلام هوليود!
في بطاقات المعايدة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي حدثَ أمرٌ غريب: سقط منها جميعاً حرف الدال، وكلمةُ: عيد الحلوةُ فوقها ظهرتْ بهذا الشكل: عِيْ.. عِيْ!(١)
*
(١) عِيْ.. عِيْ: هو صوت الندب والبكاء.
٢٠٢٢/٥/٢