اخيرا عثرت على الشاعر, فى عودتى تلك رايته وانا فى الحافلة صدفة كانت
ولم اتخيلها , كنت انظر متاملا فى اللافتات على الطريق الذى تعودت عليه مرارا فى عودتى الى المنزل , وكاننى اتوقع واحدة مضافة لهن تسر عن نفسى فى زمن التشابه والتناسخ المستمر فى التفاصيل والشخصيات والاحداث
كان هنالك جالسا فى مطعم شعبى ملقاة كراسيه على قارعة الطريق للغبار , يزكم الانوف فتجترعه وتبعد مايقدر للصدر الاستمرار فى التنفس ، وهو جالس هنالك ياكل من صحن يلوح لى من البعد , لم اكن طبعا اتوقع مافيه من طعام ولكنى خلت بخبث منى انه طعام زهيد الثمن ربما فول او عدس او فاصوليا ، فقط ماشغلنى انى عثرت على الشاعر كلنا كان يبحث عنه , كان يرمى قصائده ويذهب خفيه منا قبل ان نراه ونبحث عنه لنستنشق عبيرا اكبر من اريج شعره المضمخ بالحبيبة والثورة والفكر
كان زاهد فى كل شئ , ياتى لمحة ويذهب لمحة , لا تكاد تبصره الاعين الا حين تنتصب عقيرته بالشعر وبعدها وقبلها هو صامت , صامت كخوفنا الساكن فى التفاصيل , صامت كحبنا الساكن فى الخلايا , صامت كشوقنا وبصيرتنا المكلومة بالمعنى الذاهل فى الجرح اليومى وهو ينسج كل ذلك شعرا , الا انه كان صامتا صامتا الا من الشعر لم يشتكى من احد , لم يلم احد يوما فقط كان شعرا بيننا يسير
عندما تعرف شاعرنا على حبيبة قلنا هذا هو الان مقتله , سيخرج لسانه بالحديث وبالولولة والفافاة واللجلجة والتاتاة والنواح والبكاء : وكان ماقلنا حكى عن حبها كثيرا نشطت دموعه حبالا تقتلنا حسرة عليه وتقتله تاسيا وشوقا
الا ان الجدارات لا تعرف الخلايا , لاتعرف النسيج من المشاعر الدافقة , المضمخ من الشوق المتين , كان ان سافرت لبلاد بعيد لتعود لزوج ابعد من ناظرينا وكاننا فى العوبة قدرية , او ربما احد العاب الفيديو التى يلعبها الاطفال : لا اقولها سخرية الامر مؤذى , لان الشاعر الذى تكلم عاد ليصمت وهو الان فى مطعم شعبى , وفى يوم اخر رايته يذهب لمتجر التبغ الشعبى وفى كل رذلك كنت انا صامتا ارقب اقدارى واقدارنا كلنا
هل ياترى يصلح الشعر ما افسده الصمت المقنن