لصحيفة آفاق حرة
استشراف عالَم أبيض
مقالة
نجيب كيَّالي
كَثُرَ الحديثُ عن اليأس في بلادنا العربية، وكأنَّ مشكلاتِنا لا حلَّ لها، إليكم هذه النافذة…
عرضتُ في كتابي: (وطن منتوف الريش) لجوانب عديدة من الانهيار العربي في مجالات السياسة، والاقتصاد، والانحناءِ أمام الأجنبي المستعمر، وطريقةِ تعامل الحكومات غيرِ اللائقة مع مواطنيها غالباً، والتغييبِ المتعمَّد للوعي والثقافة المستنيرة الحقيقية، وغيرِ ذلك.. فهل تكون الكلمةُ الأخيرة: هي الاستسلام لسطوة هذا الواقع ولما خلفه من مشيئة أو مشيئات مريضة؟ طبعاً لا. لن نُقدِّمَ أذرعَنا لليأس ليحيطها بسلاسله، ويقودَنا إلى زنزانته.
لدى العرب نقاط قوة كثيرة جداً، يمكن استثمارها، لكنهم عنها غافلون أو لها مهملون كالطالب الكسول الذي انصرف إلى اللهو ونسيَ كنوزَ ذكائه، وقدرتَه على الإنجاز والتفوق، ولدى القوى الاستعمارية التي تسعى للهيمنة علينا نقاط ضعف أيضاً يمكن الاستفادة منها أو النفاذ من خلالها لتحقيق مصالحنا.
من نقاط القوة لدى العرب:
* الشعبُ نفسُه بما لديه من مناجم الإبداع التي تمَّ هدرها، فضاعت أو هاجرت خارج الحدود.
* نسبة الشباب المرتفعة، والتي في وسعها إنجاز الكثير، والقيامُ بالأعمال الشاقة الطويلة، والسهر، والتنقل من مكان لآخر.
* ثروات كبيرة ينبغي توظيفها لخدمة المشاريع الكبرى بدلَ إنفاقها على البذخ الشخصي لأصحاب السيادة والمعالي أو لشراء الأسلحة التي تُسدَّد في نهاية الأمر إلى صدور المواطنين الأبرياء لا للعدو الخارجي.
* التواصل الجغرافي للبلاد العربية، وما يتيحه ذلك من سهولة نقلِ الخبرات والبضائع، وإقامةِ المشاريع المشتركة.
من نقاط الضعف لدى القوى الاستعمارية:
* اختلاف في مواقف أحزابها نحو عديد من القضايا، وقد يصل الاختلاف إلى حد الصراع.
* حاجة ماسة لثروات الآخرين، ولا سيما في مجال الطاقة بعد أن نفد ما لديها من ثروات أو كاد.
* حاجة أخرى إلى القوى الشابة حيث تعاني من شيخوخة هرمها السكاني، ومن قلة الإنجاب بسبب انحسار الزواج والأسرة لديها وانتشار المثلية.
* تصدُّع في قيمها الثقافية التي ساهمت في نهوضها سابقاً، وانتشار نمط سطحي للحياة في عصر العولمة حيث ينصرف قسم من الأجيال الجديدة إلى العبث، والوشم، والتفاهة، والمخدرات، والانتحار.
إلى جانب ما سبق هناك أمران مهمان أو مهمان للغاية، لا بد من الالتفات إليهما، وهما:
١- تفعيل البديهيات: ومن أولها أن الأوطان للشعوب، وليست لزيد أو عمرو من الحاكمين. الشعب المغيَّب أو المنسي أو المدفوع نحو سراديب الجهل والخَدَر ينبغي إعادتُه إلى الصدارة وإيلاؤه كلَّ الاهتمام بالفعل لا بالشعارات الجوفاء التي تشبه قشور البصل.
٢- الانتباه جيداً لتجارب الدول التي كانت متخلفةً مثلنا أو حتى في حضيض الحضيض كالصومال مثلاً.. كيف نهضت؟ وكيف تخلَّصت من عللها المزمنة كالعنصرية، والعشائرية، والحرب؟ ينبغي قراءةُ تجارب نهوضها بعمق كبير وتأنٍ.
سأتوقف قليلاً مع تجربة الصومال التي كان يُضرَب المثل بانحدارها الفظيع..
الصومال اليوم تنتصر على نفسها، فالرئيس الصومالي يعلن عن تحقيق أول فائض احتياطي لبلده منذ 33 عام بما قيمته 17مليار دولار، وتتقدم الصومال على 43 دولة في العالم في النمو، خلال أقل من ثلاث سنوات بعد نزاع استمر 27 عاماً، وأُزهِقت خلاله أرواح مليون صومالي.
سُئل الرئيس حسن شيخ محمود ماذا فعلتَ وهو سرُّ نجاحك؟ فقال عَمِلنا بنظام العدل والمطابقة وقد بدأتُ بنفسي، لم أعين فرداً واحداً من عائلتي بجواري، رغم أني كنتُ أحتاجهم في كثير من الأحيان، وأدفع لهم من راتبي الخاص، وليس من أموال الدولة لكي أساعدَهم على معاناتهم المعيشية.
وعيَّنا مسؤولين من ذوي الكفاءة العالية حتى من خارج الصومال، ووضعنا نصبَ أعيننا المصلحة العامة في مقدمة برامجنا، وعلى رأسها تسوية النزاعات القبلية.
ويقول عن مجال التعليم والتوعية: اهتممنا بالتعليم، وأضفنا مواد منهجية لم تكن معروفة كالثقافة الاجتماعية، واللباقة، وطرق الحوار والتعامل، وطرق الحياة المتحضرة، والثقة بالذات، وجميع المهارات الناعمة والفنية.
ويقول عن تداول السلطة: لقد سلَّمتُ للرئيس: محمد عبدالله فرماجو القادم بعد ولايتي كلَّ ما كان عندي من برامج وإمكانات، واتفقنا على خطة عمل للنهضة بالصومال لا نخرج عنها، ونبحث عن كل رئيس جديد قبل سنتين من تسليم السلطة له ليكون جاهزاً لتسلُّم الراية، ويكونَ أميناً في الحفاظ على الأمة.
ويقول حول الميليشيات التي تناحرت لمدة 27 عاماً متتالية: كوَّنا جيشاً بالقانون، وليس بالمحاباة أو بالقبائل التي تناحرت والتي لم تتناحر، وذلك ممن توفرت فيهم الشروط للانخراط في قواتنا النظامية، فتكوَّنَ لنا نسيج اجتماعي جديد لم يسبق له المواجهة، ولا التناحر أو الالتقاء في الخصومة، حتى إنهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، وقد تمَّ توزيعهم في مواقع حسب احتياجات الدولة، وليس حسب رغباتهم الشخصية.
طلبنا تسليمَ الأسلحة، وأعطينا إعفاءً لمدة سنة كاملة بعدها يُطبَّق الحكم بالسجن عشر سنوات لمن لم يمتثل، سلَّمَ الجميع سلاحهم بالتدريج لتوفر الثقة.
ويقول عن موضوع الاقتصاد: اهتممنا بتطوير الاتصالات، والخدمات المصرفية، والبنية التحتية إلى حد بعيد، وبنينا الثقة مع المصارف العالمية، وننتظر اعتمادَ عملتنا مع الرئيس القادم في الاجتماع المالي الدولي في سويسرا للخدمات المصرفية وإدارة الأموال، وبفضل التطور الحاصل نتوقع عودة 2 مليون لاجئ صومالي إلى وطنهم.
يؤكد أخيراً على أنه خلال 10 سنوات أخرى ستدخل بلاده قائمة دول ال 20 الصناعية حسب تقارير المركزي الدولي للاقتصاد العالمي(١).
وأضيف أنا بعد كلام الرئيس الصومالي: بأنَّ من اللافت أن منظمة الشفافية نقلت الصومال إلى الترتيب 78 في لوائحها بعد أن كانت في الرقم 203.
*
(١) كلام الرئيس الصومالي من النت.
٢٠٢٢/٧/١٤،