أسماء وأسئلة : إعداد وتقديم: رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة .
ضيفة حلقة الأسبوع الشاعرة خديجة كراكي التمسماني
1_كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
مثل هذا السؤال يبدو بسيطا من الظاهر . وانا لا اجد تعريفا واحدا لنفسي . فكل تعريف هو نوع من الهوية المفتوح حول التغيرات والالتباس مع كل مراحل الحياة . لست كائنا من الكلمات فقط كما يقول الشعراء عادة . بل أحاول أن أكون نفسي . ارفع أصابعي في الهواء الطلق .. وارسم ظلالي بنفسي على الأرض . إنسانة بما تحمله هذه الكلمة من القيم . خديجة گراگي التمسماني . دبلوم الدراسات العليا . قانون عام . شعبة علاقات دولية . فاعلة جمعوية وحقوقية بطنجة .
2_ماذا تقرأين الآن؟وما هو أجمل كتاب قرأته؟
لقد وفر لي الكثير من الكتاب الحجارة لتعبيد الطريق الى الكتابة .
(نجران تحت الصفر ) للروائي الفلسطيني يحيى يخلف ، سافرت بي الى كل التناقضات التي يعيشها المجتمع العربي . عالمان نقيضان أحدهما محبط .. والآخر متسلط فاسد ، في قالب يحول اللغة الى سلاح لحماية حدود الوطن الرمزي . الا ان تجربة الدكتور الطبيب الصديق عبد النور مزين (رسائل زمن العاصفة ) اجمل ما لمس الروح لانني اجدني قارعة في ركن من زوايا هذه العاصفة . ثم ( الحنين العاري ) ..لعبد المنعم رمضان في ظل سطوة الشعر المباشر عقب الحراك الذي عرفته الشعوب العربية .
3_متى بدأت الكتابة؟ولماذا تكتبين؟
في بداية حياتي وانا بالاعدادي ، عشت مراهقة شعرية نادرة ، باللغة الفرنسية . حيث ان اللغة عندي كانت مجموعة أسماك تتقافز في سلة الرأس فوق بعضها . لكنني اعترف انني بدات كتابة الشعر بالعربية متأخرة . لان الشعر كان بالنسبة لي تلك الكلمات المتعلقة بالاوزان والقوافي . وبالرتابة والنمطية .. فكنت ميالة لضرب هذه المخاوف . وهكذا مضيت دون ان التفت لاحد . تحررت من الأقفاص والسياج في البدء ، ثم انطلقت ..
فالحياة عند الشاعر ليست سوى ترنيمة محزنة او مطربة حسب مزاجه . فيتكلم عن فضلة قلبه . يستطيع ان يسكب ما يراه وما يسمعه . فمن كل هذا وذاك ، آخذ قلمي بيدي مدفوعة بعوامل داخلية لا سلطة لي فوقها . تمرين روحي اقوم به بشكل مستمر ، كوسيلة لتحرير الدواخل وميلاد ثقافة الإنسانية .
4_ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
في المساحة الأرجوانية الممتدة بين طنجة حيث ولدت وترعرعت . وفاس حيث الدراسة الجامعية وميلاد الرؤية النقدية للحياة ، والحراك النوعي الثقافي والاكاديمي مستل بالحراك السياسي ، يقع شغبي الذي اتقاسمه وهذا الركن السكران من العالم . لكن طنجة كانت ولا زالت بيئة خصبة في حياتي . حفلت بمختلف الذكريات والتطلعات والاحلام الوردية . ولكن كلما نبشت الذاكرة عن لحظة حميمية ، يفاجىني الغريب الذي في داخلي في كل مرة ابحث فيها عن التمرد والدهشة فتقودني البوصلة نحو غرناطة .
5_هل أنت راضية على انتاجاتك وماهي أعمالك المقبلة؟
ارى الافضل في كتاباتي هي التي لم اكتبها بعد . لان الكتابة وكما نعلم فعل الذات الفردانية لتأكيد وجودها ، مما حذا بسارتر مثلا لان يقول : ( انا ) تعني انا الذي اكتب . فبدايتي لم تكن مفروشة بالورد . فهناك الكثير من الهذيانات المجتمعية يمكن ان تصاحب امرأة نبتت في مكان قصي وتنتوي قول الشعر !! تنتوي الخروج من السياق العام ، الى مقترح جمالي خاص ، قلما يتم الترحيب به . لقد كانت رحلة متواضعة لكنها شاقة تركت علاماتها على روحي وعلى ذاكرة البدايات . كنت ادخل في نوبات قلق عارمة ، في انتظار انفجار بركان الهديان المجتمعي ، عندما ينشر اسمي وصورتي في الصحف مع كل أمسية كنت انشغل بطوفان خوفي . كان ذلك قاتما لكل لحظات البهجة التي يحق لي ان أحبها . فلكي تواصل ، يعني تقبل الذات والروح .. وليست نزوة . فهي حرية يحق لي ان اختارها وراضية بصلابة ظهري لتقبل النقد .
وقبل جائحة كورونا انهيت عملين .. رقصة الجمر رواية
ويعيرني البحر ردائه ديوان شعر . وانا الآن بصدد تنقيح عمل روائي .. شبح مستمر . وهو في طريقه الى المطبعة قريبا .
6_متى ستحرقين اوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
لقد واصلت الكتابة منتصرة لي ولملذاتي الآمنة . الملذات التي اعيد فيها الاغتسال من الرأسمالية الكبرى التي تطبق مخالبها على تفاصيل يومية كثيرة في حياتي . ومن خلال الشعر استطعت التخفيف من حدة عاصفة المخزون المزدحم داخلي . فانا لم اختر طوعا ان اكتب الشعر . بل ان الشعر هو الذي اختارني لأكون وسطا بين المرئي واللامرئي . بين الممكن والمحلوم . وبين التخزين والتفريغ . فكيف لي ان اخونه واحرق اوراقي الإبداعية ، واعتزل . لا انوي الاعتزال طالما استطيع غذاء روحي .وانا عاشقة للحياة .. فاصنعها .
7_ ما هو العمل الذي تمنيت أن تكوني أنت كاتبته؟وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
كثيرة هي الاعمال التي قراتها واعجبت بكتاباتها . ولم أكن يوما غير نفسي . كنت دائما اقول انا لست شاعرة . ولا حتى شاعرة مغمورة . انما استطيع ان اضع ظلا في قلب من يقرا لي . وهذا ما يراد للشعر . كتبت الكثير عن البحر لا تشبه نصوص الآخرين . اعيد ابتكار صناعة الرمل في نصوصي دون تكرار . على الشعر ان يواصل كتابة نفسه لصناعة المفارقات . وانا طقسي دائما الألم والضجيج الداخلي . تمنيت لو اكتب باسلوب حنا منا وعبد الرحمان منيف في الرواية .
وانا اكتب عادة في الليل . وبشكل مستمر . عندما ينام ضجيج النهار تنساب لدي الكلمات .
8_هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
هذا السؤال يذكرني بنصيحة الشاعر هنري جونز للشعراء الجدد . لا يمكنكم ان تكتبوا وانتم تمتلئون بالخوف . الخوف بشكله العام الذي يعرقل المسار الحقيقي للابداع . فاولى ابجديات ارتباط الكاتب بالحرية يكمن في قدرة الاستجابة الى صوته الداخلي دون خوف او قلق . ففي عالمنا العربي هي مساحة قد تتسع وقد تضيق حسب معيار القيد او الحرية .لكن لا أعتبر المبدع مفردا خارج السرب . بالتاكيد هو فاعل ومؤثر .
9-ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
العزلة الإختيارية هي نوع من الحرية لاكتشاف دواخلك . فتكون مثمرة لترتيب فوضى الافكار . فالكاتب يحتاج الى هكذا عزلة ليطلق العنان للابداع .في حرقة الأسئلة الوجودية منها او المجتمعية .
10_شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
محمود درويش شاعر الحضور والغياب . الرمز الاساسي للشعر عندما يتصل بالحياة والموت . بالحلم والامل . وضع بصمة في حياتي وانا تلميذة . ومن هنا انطلقت الشرارة الأولى لمعانقة القضايا والتشبت بها . . كان درويش قادرا على تحويل القضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية من مسارها المأساوي والاجباري الى حب القضية وعناقها واتساع رقعة الامل .
11_ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
العثرات الكثيرة في هذه المسماة حياة قد تجعلك تتجدد وتنضج ثم تساهم في فهم عمقك وذاتك اولا ، ثم الايمان بهذه الحياة.
12 _ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟الذكريات أم الفراغ؟
كأني احتمي بالكتابة من كوارث الحياة والوجود . الذكريات لا تموت . ثمة نواة صلبة هي الموهبة يمكن أن تبني عليها مراحل حياتية غرفا وابراجا عالية . مقاومة للفراغ القاتل .
فتبقى القصيدة وليدة الاصطدام باللحظة ، من الطبيعي ان نحمل معنا مرة سمة الحزن . ومرة سمة الفرح .. ومرة الدهشة ، او الامل . ومع ذلك فقيمة الأثر الابداعي والفني امر يتصل بانتشال الذات من الطابع المؤقت للفراغ وقذفه في الأبدية .
13_صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية، حديثينا عن شذرات : تعاويذ على مقام الخريف. كيف كتبت وفي أي ظرف؟
في كل مرة ايقظتني امي من النوم . كانت تجد عيناي مفتوحتين . نصحتني مثل عرافة ريفية .. وقالت لي : ليتك تستطيعين ان تقاومي الحياة بعيون مفتوحة نظرا لانني كنت قليلة النوم . ساعتها لم افهم نصيحتها . فهمتها عندما اصبح الشعر صاحبي اليومي ، فاستعيد صوت امي وألوذ الى الحياة بنصيحتها . بهذا المعنى فانا انتمي لكل ما كتبته في تعاويذ على مقام الخريف بعد فقد الام والأخ الاكبر في نفس السنة . وهو ما يؤكد لي بأن ثمة أشياء لا نتعلمها بل هي ترافقنا في الجينات الموروثة ودورة الدم . لصياغة الادب والابداع بشكل عام ملازمة لنبضات الروح والاهات والتعثرات .
14_إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل إلى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز .إلى دهاء وحكمة بلقيس أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي ؟
لا يمكن للشعارات ان تغير الواقع . ما دامت المرأة تعاني من الاضطهاد المزدوج . وما دامت العقليات الذكورية تتعامل مع قضية المرأة بشكل نمطي . فالجزء الهام من كتاباتي سواء الشعرية او الروائية تحلق حول المرأة ومعاناتها . فهي تحتاج الى ان تكون نفسها .
15_ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية و ما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟
لا اعتقد ان احدا وفق بالاهتداء الى إجابة شافية حول معنى الابداع ، او طبيعته ، او وظيفته . فالابداع كالحب ، وهم ، لابد منه لتصبح الحياة قابلة لأن تعاش . ولكي يخلق لنا ظهيرا ولو هشا يساعدنا على عبور ذلك البرزخ الموحش بين الولادة والموت .
16_كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
ثمة محطات مختلفة في تجربتي تطلبت كثيرا من التحفظ والصمت ، وكذلك التامل قبل الوصول الى النشر . برايي ان النشر مرتبط بوجود قارئ جيد وناقد . وانا افضل النشر الورقي . اما تجربتي في مواقع التواصل الاجتماعي جيدة جدا . من خلالها تعرفت على الكثير ممن ساهموا في دفع مسيرتي الأدبية نحو الافضل . هو عالم أتاح مساحات شاسعة لانتشار الكاتب .
17_أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟
لعل الاسوء اكثر ، واسوء ذكرى يوم وفاة والدتي ثم الاخ الاكبر في نفس السنة ثم والدي ، تركوا في نفسي قساوة الفقد وغرابة الروح .. وتبقى الذكرى الجميلة هي التي اجرها معي وفي كل محطات حياتي تلك الأماني الأماني الجميلة التي لا زلت اناضل من اجلها .. الكرامة والعدالة الاجتماعية وان يعم السلام وتتحرر البشرية .
18_كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه؟
ممتنة لهذه الإطلالة التي منحتموني اياها استاذ رضوان .. هذا اللقاء التواصلي مع القراء والادباء بوافر الجمال والمحبة ، جديران بالعناية وكثير من الحب .
خالص التحايا ايها الخلوق والانيق رضوان بن شيكار