على ديوانه الأزرق المنقوش، ألقى جسده الأبيض المشوب بحمرة، ليقابل هواء المكيّف الذي يجاهد لتلطيف حرارة الصيف.
كان نسيم المكيف البارد يداعب صدره العاري، أرخى أطرافه واستسلم لخدر لذيذ.
الممثلة الحسناء تبتسم على الشاشة، شفتاها المصبوغتان بلون الورد تهمسان بكلمات لمن يبدو حبيبها، لم يسمعها هو.
كم تمنى سماع صوتها الذي خاله دافئا عذبا، لكنه تكاسل عن مد يده إلى جهاز التحكم لرفع الصوت فقد بدا له بعيد جداً .
رفع عقيرته بالنداء على زوجته لتأتيه به، ولكن صوته ارتد إليه حسيرا، فقد حال الباب المغلق بين صوته وزوجته المشغولة بأعمال المطبخ.
قصاع…. جواني… قصاع…. جواني
اخترق صوت مزماري اللحن، قوي النبرة، الحاجز الاسمنتي الذي يفصله عن الشارع وطرق طبلة أذنه.
ياله من بوق!
لو كان لي مثل هذه الحجرة…
همس لنفسه.
على رصيف الشارع الذي تشويه شمس تموز، وقف جامع العلب والشوالات الفارغة، يتحسس بفزع عنقه المشرئب، فكأنما تلقت حنجرته ضربة سكين.
ابتلع ريقه بصعوبة، تنحنح، وأطلق صوته الذي خرج هذه المرة واهنا ضعيفا.
استمر يدفع عربته الصدئة بجسده الأسمر النحيل إلى طريق طويل، وبقدميه الحافيتين كان يدفع وراءه سنينا من العمل الشاق…
خذله صوته كلما نادى، ومع مرور الأيام أصبحت الآلام لا تطاق، اضطر للتخلي عن دخل شهر كامل لتوفير ثمن استشارة طبيب.
… يبدو أن لديك ورما صغيرا، لكن نحتاج لعينة وفحوصات لنتحقق إن كان حميدا أو خبيثا، وقد نحتاج إلى عملية في حالة أن…
ضحك ضحكة مريرة وهو يتذكر كلام الطبيب.
دفع عربته برفق، متقبلا بخنوع عدوّه الجديد، واستبدل حنجرته بقصعة فارغة وقضيب من حديد.