آفاق حرة
بقلم : أديب مخزوم
فنان وناقد تشكيلي ومؤرخ موسيقي .
” التشكيل وأزياء الموضة في رؤية تأسيسية ” هو عنوان معرضي ومحاضرتي في المنتدى الاجتماعي، وذلك في مقر المنتدى دمشق ـ طلياني، يوم الأحد 25 أيلول 2022 الساعة الخامسة مساءً.. ويستمر المعرض ليوم الخميس 29 أيلول 2022.
يتضمن المعرض ٣٦ لوحة جديدة (تعرض لأول مرة) وجميعها توضح جوهر العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الفن التشكيلي وخطوط الموضة الحديثة.
والمعرض يشكل امتداداً لمعرضي الذي أقمته العام الماضي في صالة الرواق العربي تحت عنوان ” التشكيل والأزياء في فضاء التجريد ” وعبارة رؤية تأسيسية الواردة في العنوان جاءت لأنني أطرح فكرة جديدة وخاصة ولم يتطرق لها أحد بهذه الطريقة، وخاصة في إنجاز لوحات تجمع بين الواقعية والتجريد في اللوحة الواحدة ، لتوضيح كيف يعجب الإنسان العادي وحتى الأمي بالفن التجريدي حين يطبع على الزي، أما حين يكون نفس الرسم على لوحة لا يلتفت إليه، وهنا ينتقل الفن التجريدي من إطار النخبة إلى الإطار العام حين يدخل في الاستعمال .
فالتركيز على الأقمشة التي تتميز بعفوية رسوماتها وألوانها، يمثل الاهتمام الأكبر لدى خبراء الأزياء العالمية ،بعد أن دخلت التشكيلات التجريدية بألوانها الغنية ، في قطع الملابس، حيث تبدو الموديلات الحديثة بخطوطها وبألوانها ، كأنها لوحات فنية تشكيلية مقتطفة من جميع مدارس الفن الحديث، بدءاً بالرسم الواقعي والتعبيري ، ووصولاً إلى أقصى حالات التجريد اللوني العفوي والتلقائي .
هكذا تم تطوير الرسوم التي استخدمت في الماضي كتشكيلات نسيجية في بعض الملابس وأصبحت التشكيلات التجريدية الحديثة، سمة أساسية تميز ألبسة النساء والرجال والأطفال الملائمة للحياة العصرية ، والمسايرة لاتجاهات خطوط الموضة العالمية ، وهو تأثير انتقل في البداية من معطيات الفن التشكيلي الفرنسي الحديث إلى الموديلات والأزياء العصرية ، على يد إيف سان لوران أحد أبرز الأسماء المميزة في مجال تصميم الأزياء العصرية والحديثة.
وإذا كانت البنى التشكيلية التجريدية قد لعبت دوراً هاماً في أزياء الأمس ، فهي لم تأت بهذه الجرأة التي نجدها في أزياء اليوم حيث أصبحت تلقائية الألوان وصراحتها عنصراً أساسياً من عناصر الموضة الحديثة، التي وصلت إلينا من عواصم الموضة والأناقة والفن.
ونستطيع أن نرى بوضوح تأثيرات الحداثة التجريدية على أزياء النساء والرجال على حد سواء فإذا تأملنا قمصان الشباب، فإننا نجدها فسحة لاستشفاف أجواء لوحات تجريدية خالصة فهي تتألف في أحيان كثيرة من مساحات لونية صارخة تتبادل وتتداخل بتلقائية تقترب من التجريد العبثي ، وإذا تأملنا فستان فتاة فإننا نرى ذلك الصخب اللوني العام، أو نرى مجموعة من الحركات أو البقع اللونية المرسومة بفرشاة عريضة والتي تذكرنا بلوحات كبار فناني الحداثة التشكيلية من أمثال: هارتونغ وتوبي ودوبوفيه وشنيدر ودي ستايل ومانيسييه وبنيون وبيسيير وغيرهم.
والتساؤل الذي يطرح نفسه حيال ظاهرة غزو الرسوم التجريدية المعاصرة لأزياء الموضة الحديثة : لماذا تلقى الأزياء التي تحمل رسوماً تجريدية اقبالا شديدا من قبل الناس في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، وفي ذات الوقت يعرضون عن اللوحات التجريدية ويرفضونها رغم أنها في الغالب تحمل نفس العلاقات اللونية التي تثير انتباههم وتنال اعجابهم ، عندما تكون على أزياء الموضة أو على الستائر وورق الجدران والاكواب والمظلات أو على أي وسيلة تدخل في استعمالاتنا اليومية.
فمعظم أو مجمل الذين يستبعدون اللوحة التجريدية في بلادنا ولايعيرونها اهتماماً أو لايعتبرونها ذات قيمة فنية، سرعان ما يقعون في فخ اغراءات الفن التجريدي حين يدخل في الوسائل الاستعمالية من دون أن يعلموا ذلك، فالفن التشكيلي الحديث، أصبح وسيلة للتلاعب بالموضة وتسويقها وتحقيق الأرباح .
كلمة أخيرة يجب أن تقال: عندما ينظر الناس عندنا إلى اللوحة التجريدية كما ينظرون إلى الأشياء التي تدخل في حياتهم اليومية، والقائمة في أحيان كثيرة على ابداعات الفنانين التشكيليين، فإن تعقيداتهم تجاه الفن التجريدي الحديث سوف تتفكك وتزول ، وسوف يستشفون جمالية اللوحة التجريدية ، ويكتشفون أبعادها الجمالية والروحية والتعبيرية والفكرية.