حمي تراودني مثل أي حمي في سوداننا الحبيب، لكن نحن السودانيون لنا خاصية الاشتكاء لبعض دون مواربة، وفي شكوانا تحس ان من تشكو إليه يحمل هما أكبر من همك، والغريب انك لن ترضى بغير ذلك، ولن تعجبك أن قال لك بعض المتدينون في أيامنا هذه ان عليك بالاستغفار وان قام البعض من العلمانيون بتحليل أسباب عضالتك، فقط تحس انك تريد أن تعرف انك لست وحدك وان هنالك من لهم مثل شكواك.
أعود لحماي، هي ليست أول حمى وبالتأكيد ليست آخرها، ونحن في السودان بامطارنا الخريفية واكتظاظ شوارعنا بالاوساخ وانشغال الحكام والمحليات عنها بجمع الأموال المتعبة دون تقديم خدمات، هذا بعض الأمر، والكثير من الأمر هو في الذباب والأمراض المنقولة لسوء البيئة، وحماي التي تراودني طوال اليوم تحوم في الجسد، تشعل التفكير فتجعلني كذائب بين أعواد يمتحن بها الزجاج ويكون، وتجعل أفكاري خائرة حينا كمن يحتفل في ليلة دخلته، وتجعل احساسي متماهيا بين الأشياء، فأنا لا انفصل حينها عن نسمات الهواء الباردة ويكون وجهي كلافتة كبيرة بين هنا وهناك، كما أن أطرافي يصهل فيها حصان الحمي ويقفز بوثباته العالية.
اخذ حبتين من المسكن وقبلها افحص في المركز الذي اعمل به فاجدها حمى التايفود الماكرة، ويل لجسدي من هذه الحمي، رفقك يامولاي على وعلى ابناء وبنات شعبي من أمراضهم المستوطنة، اسأل الله الشفاء لاعود منقبا في أراضي الكتب الشاسعة، مبحرا في بحور الكلمات الواسعة، احس بأني ملتم علي جسدي ولا غبار على احساسي البتة.