رقيق أبيض
الهواء بارد والسّماء ترشح قليلا قليلا حين خرج من الحانة واللّيل في منتصفه. مشى مترنّحا في ذلك الزّقاق الطّويل الخالي، يتبعه وقع قدمين… توجّس خيفة لكنّه ملك نفسه والتفت فجأة…
وشملها بنظرة اعجاب لم تلبث أن تحوّلت إلى نظرة ذئب… وسمعها تقول بصوت مرتجف يتناقض مع سطوة جمالها الصّارخ:
- هلّا آويتَني اللّيلة؟
وراء الظّل
انحنت تضع الصّينية على الأرض فألقى نظرة مهملة على ما فيها وزفر. تأمّلت وجهه المكدود وجسمه المنهك…
- هلّا أرحت نفسك؟
- راحتي في القبر!
ويسكت قليلا قبل أن يردف في مرارة:
- وولدك؟ أليس هو الأولى بإعانتي؟
- ادعُ له بالهداية.
- مذ شبّ وأنا منه في كرب.
- لا تقسُ عليه.
- ما أفسده إلّا أنتِ… قومي قبّحك الله!
محلّك.. سِر
كعادته ما إن يفتح بابه صباحا حتّى يرمي به الغضب من شاهق، فيرفع صوته بالسّبِّ والشّتم غير مفرّق بين السّماء وما فيها والأرض وما عليها… ويصادف أن يمرّ جيرانه فيصيح ممزّقا شعره:
“حُرْمِتْ العِيشَه مْعَاكُمْ…”
ويرفع رأسه إلى جداره الأبيض الصّقيل… يلتقط فحمة ويكتب بخطّه الرّديء:
“لَا تَرْحِمْ وَلدِين مِنْ إيحُطّ الزِّبله هْنَا! ”
يوم من أيّام المُسَوِّدَة
جثت على ركبتيها في بزّة برتقاليّة وسكّين ذلك العملاق الواقف وراءها على رقبتها. أدارت عينيها الذّاهلتين: صحراء ومصوّر محترف وكتيبة بِلِحى كثّة… وعندما بدأ التّصوير ورأتهم يتلثّمون أدركت أنّ نهايتها وشيكة…
وأحسّت بضغط السّكين فأغمضت عينيها… فجأة ارتدّ الذّبّاح إلى الوراء ساقطا كصخرة… ثمّ اشتعل الجوّ بطلقات الرّصاص…
“أنتِ بخير؟”