آفاق حرة
.قراءة في رواية: جيران زمزم.
الكاتب : محمود تراوري.
.اصدار: جداول.. ط1 .2013. ورقية.
بقلم أحمد العربي
.جيران زمزم رواية مكتوبة على امتداد خمس سنوات، من 2007 الى 2012، وفي اربع مدن: مكة، جدة، دبي، اديس ابابا.
الرواية فيها من عنوانها الكثير، بطل الرواية حاضر من خلال السرد المشاعري، هو ابن الجنوب في الجزيرة العربية، ابن البداوة بكل مافيها من شظف وكرم وحديه وحكمه ووضوح. هاجر والده للطائف اولا، فعاش طفولة مترعة بالريف، والجو العليل ، والاشجار، والثمار، والصحبة، ثم استقر في مكة، مكة التي انزرعت في وجدانه عميقا، فأينما توجهت مشاعره، فهي تصب في مكة وروحانيتها. هو الآن رجل يعيش الحياة وفق تراكم نفسي وحياتي لما عاشه، ولما انطبع في وعيه معرف،يا وفي وجدانه ايمانا وتأملا. في مكة له شيخ طريقته؛ حسان الرجل الصوفي المتعمق في الحب الالهي، وحافظ ذاكرة المكان، والمتعمق في وجدان الجماعة . في مكة عاش طفولته الناضجه ، وصحبته مع اصدقائه ، يصنعون مراهقة مترعة. هاهم في جنبات الحرم المكي حول الكعبة ، يتعايشون مع الحمام، ومع (سيدي) حسان كما يحب أن يسميه.في طرقات مكة وحواريها هنا ، طبقات من تاريخ القداسة، هنا كان عرب العاربة الاصليين في جنوب جزيرة العرب ، وهناك عرب المستعربة في الشمال ، والتداخل بين البدو والحضر، حاجة التجارة كعصب للتاريخ الإنساني ، وتبادل للمصالح، وفاتح تاريخ التطور الانساني، تجارة البخور، وارتباطه بكل اعتقاد ديني ، كل الأديان السماوية وغير السماوية ، للبخور فيها حضور فيها . شق طريق للتجارة بين المصدر من الهند وجاوا وغيرها، وبين الشمال، مكة ، ومن ثم استقرار القبائل فيها، وهيمنة قبيلة (جرهم) عليها، واصبحت مركزا تجاريا ودينيا مكة هبة زمزم، المياه هي الحياة التي اعطت للمكان امكانية العيش، وحقه في التقديس، مكة هنا غارت زمزم في اعوام ، وهنا جاءت السيول، وعادت الحياة. الله حاضر في مكة ر دوما؛ في القداسة ، والعبادة، والتاريخ ،ومواقيت الطقوس. مكة الحج والعمرة والقادمين المستقرين. مكة عالم روحاني كامل، بكتفي بنفسه ، والكل بحاجة اليه.
صاحبنا يعيش العالم المعاصر بكل مافيه، يرتبط بشبكة الإنترنت ، جوالة يرن بشكل دائم، يربطه مع العالم، ومع من يحب، ولكن دون امكانية تواصل، يحب ويعاني ويفكر بالمرأة ويعيش وجدانياتها ومأزقها الوجودي، فهي متساوية بالوجود، ومتكاملة في الحياة، هي والرجل عماد الوجود، ومع ذلك هي بالمجتمع وبعض القيم والرواسب ضحية ممنوع عليها أن تعيش ذاتها، عليها ان تطمر مشاعرها وحقها بالحب والتواصل والتعبير عن النفس ، وان يكون لها دور وجودي وحتى حقها باللذة، كله مطمور تحت حزام العفة الاجتماعي، ووأد المرأة ليس في التراب الان ولكن في الحياة، على أساس عدم احترام انسانيتها بالكامل ، له حبيبه يتواصل معها بالانترنت ، يتواصل او لا يتواصل بالواقع، وتبقى الحلم المستحيل، والآخر الغائب، الذي بغيابة يعبر عن وجوده، في بيته شغاله حبشيه، بلون البن، والبن حكاية مثل حكاية البخور، ونصل للحبشة واغلبها مسلمين، وجدهم (حام )، اخ جدنا نحن العرب (سام).عملت عندهم عشر سنوات بشكل غير قانوني بعد حج، و عندما قررت الرحيل سلمها لمكتب الترحيل لاعادتها لبلدها، علها تصنع حياة افضل من قروش جمعتها ، نعم يعيش العصر؛ هو من علية القوم؛ ومع علية القوم يتسامر، ويتحدثون على موائدهم العامرة بكل شيئ، عن تخلفنا وجلد الذات، و عن الغرب وتفوقة ، ينشغلون بالبحث المترف عن سبب ازمتنا، كعالم متخم بالفقر والمال والجهل وغياب المسؤوليه وضياع اليقين، القبول والرضى بالحال، والاكتفاء بالنقد اللفظي، الذي لا يحل مشكلة، ولا يريح ضمير.
ممتلئ بسيدي حسان الصوفي العريق والعميق والثابت والمتألق كانوار الكعبة وخلودها وخلود طقوسها، حاضر دوما في وجدانه، يقدم الجواب على سؤال الوجود والفناء، يعبر عن اتحاد بالخالق عبر الخلق، حسان رسالة حاضرة دوما بعلاقة تواصل مع الله ، وطلب دائم للقبول والمغفرة، وهو يبحث عن الحب والحبيب، واستحضار محبوبته في غيابها.
هنا تنتهي الرواية، التي هي محطات في النفس والتاريخ والواقع ، وهي رسالة ان الانسان ابن لظروفه الحياتية كامله ؛ تاريخ ودين وقيم ووجدان وبحث عن حب وإيمان وحياة حرة كريمة، وسؤال الوجود ماذا بعد ؟، يجعلنا قريبون جدا من الله؛ هو في قلبنا.
.للرواية طعم الوجد ، وحب القهوة، ورائحة البخور، وحضور الله في كل حين.
شهادة مباشرة للعصر، بأنه لم يستطع ان يقدم الأجوبة عن كل الاسئلة، بل لعله عقدها اكثر.