ها أنَذا في شمالِ غربِ المدينةِ المنورة،
وقد لاحَ من بعيدٍ، مسجدُ بني سَلَمَةَ،
او مسجدُ القبلتين.
تَمَيَّزَهذا المسجدُ ببياضِهِ الناصِعِ،
ومِئذَنَتَيْهِ وقُبَّتَيْه.
إنَّه المسجدُ الوحيدُ في التاريخ،
صُلِّيَ فيه بقبلتينِ في صلاةٍ واحدة.
ادخلُ المسجدَ، فيرتسمُ في ذهني،
ذلك المشهدُ الفريدُ،
وكأنَّني كنت بين من صلّى
تلك الصلاةَ التاريخيةَ خلف النبي،
أو كَمَنْ كان يراقِبُ
حركةَ المصلين في تلك الصلاة،
ويصوِّرُ المشهدَ بعدستِه.
يومُ الثلاثاء،
منتصفُ شعبانَ من السنة الأولى للهجرة،
رسولُ الله يصلّي ظهرَ ذلك اليوم،
حيثُ أمَّ المصلين متَّجِهًا كالعادة آنذاكَ،
إلى بيت المقدسِ، حيثُ القبلةُ الأولى.
على حين غِرَّةٍ يستديرُ – بوحيٍ من اللهِ –
في الركعة الثانية،
صوبَ الكعبةِ الشريفةِ،
استدارةً محدَّدَةً دقيقةً،
وكأنها محكومةُ بأدقِّ وسائلِ القياس،
فيتْبَعُهُ المُؤْتَمّون – ولاغرابةَ –
فهو السيِّدُ المطاعُ الأمينُ،
وهو الإمام.
يا لَهُ من مشهدٍ حدث مرةً واحدةً
ولن يتكرر.
منذ تلك الصلاة،
والكعبةُ هي القبلةُ الوحيدةُ،
للملايين من المسلمينَ،
في شتّى أصْقاعِ الارض،
يتَّجِهون إليها في صلواتِهم،
وفي كلِّ أمرٍ يتطلَّبُ التوجه اليها.
دخلْتُ حرمَ المسجدِ،
ووقفتُ في محرابَيْهِ مُسْتَطْلِعًا،
ثم صليتُ ركعتين،
أسْبِرُ الحَدَثَ مُسْتَغْرِقًا.
كانت زيارتي لهذا المكانِ
كغيره من شواهد الإرث الخالد،
عَبَقًا روحيًّا تمكَّن من شغافِ القلبِ،
فأكْسَبَهُ سكينةً وثباتًا،
لا يمكن أن يُتَرْجَمَ في كلمات،
وكيف له؟