مَرَّ دهرٌ.. وقَبْلَهُ مَرَّ أَكثرْ
وقُرونٌ خَلَتْ.. ولم نَتَغَيَّرْ
مَرَّ ما مَرَّ من حَضارةِ شَعبٍ
أَدمَنَ الجَهلَ حينَ لمْ يَتَحضَّرْ
يَتَغَنَّى بِسَالِفِ المَجدِ فَخرًا
وبمأساةِ يومِهِ يَتعثّرْ
ويُوالِي عَدوَّهُ، وإذا ما
حان وَقتُ انتقامِهِ يَتَقهقَر
فيُواسي فؤادَهُ بالأماني
وبكفَّيهِ يَصرخُ (اللهُ أكبرْ)
غَدُهُ كُلُّهُ غُمُوضٌ، وخَوفٌ
فهْو مِن كلِّ قادِمٍ صار يَحذَرْ
حَمَّصَ البُنَّ في يَديهِ دُهورًا
وتَحَلَّى مِن الإباءِ بِخِنْجَرْ
وبَنَى الأَرضَ ناطِحاتِ سَحابٍ
وعلى الصَّخرِ في الجِبالِ تَجَذَّرْ
وأَضاعَ انتِماءَهُ بِحُروبٍ
أَكَلَت كُلَّ ما بَناهُ وعَمَّرْ
كلَّما ثارَ ناقِمًا مِن ظَلامٍ
جاءَ أَدجَى، وكُلَّما كَدَّ أَعسَرْ
يَخْلَعُ البُؤسَ مِثلَما يَخْلَعُ الشَّيْــ
ـــبَ؛ ويَنجو مِن الخَطِيرِ بأخطَرْ
لَسْتُ أَدرِي أَناقِمٌ .. يا إلهي
أَمْ بَلاءٌ لِلصَّبْرِ.. كي نَتَصَبَّرْ؟!
كانَ (سامَ بنَ نوحَ) حتى إذا ما
ضاقتِ الأرضُ مِن بَنِيهِ تَبَعثَرْ
كانَ في جَنَّتَيهِ حتَّى تَمادَى..
بَدَّلَ اللهُ حالَهُ فَتَحَسَّرْ
ومِن السِّدرِ كان يَجني رَحيقًا
لم تَرَ الأرضُ مِثلَهُ حين صَدَّرْ
وإلى القاتِ عاد يَمضَغُ سُمًّا
ويَخوضُ الحُروبَ وهو مُخَدَّرْ
قَدَرُ الشَّعبِ كانَ مِن قَبْلُ صَفْوًا
ثُمَّ أَرخَى سُدُولَهُ وتَكَدَّرْ
هو شَعبٌ يَموتُ حِينًا، ويَحيا
وغَدًا رغم مَوتِهِ سوف يُحشَرْ
وإلى نَفسِهِ سَيرجعُ يومًا
ومِن الفَقرِ والدَّمارِ سَيَثأرْ
هو حَقٌّ لهُ، وليس عليهِ
ومُحالٌ زَوالُ حَقٍّ بِمُنكَرْ
سوف يَنجُو مِن الحُروبِ.. ولكن
حين يَبنِي حَديقةً، لا مُعَسكَرْ