شيء ما بداخلي لا بل كلُّ شيء يدفعني للكتابة إليكِ، قلبي لا يدل طريقًا سواكِ، وكلُّ بوصلاتي تُشير إليكِ، وكأنكِ البلدة الوحيدة في خريطة الذكريات، بِتُ مؤمنة أنكِ وجهتي الوحيدة وأني زائرة تقف على حدودكِ فضُميني، ربتي على كتفي، انتشليني من غرقي، شتتي وحدتي، لكن أرجوكِ لا تدعيني على حدودكِ أقاوم غُربتي وحزني والليل، أركض خلف النسيان لأحيا فتمسكني تلك الليلة من ياقة ثوبي الذي يفوح برائحة الشوق إليكِ وتطرحني أرضًا حيث البداية، حيث الصفر، الليلة التي أصبحت فيها طفلة سبعينية، واللحظة التي أدركت فيها أن عدد الخيبات التي محقت روح الإنسان، والنوائب الضاربة التي كادت أن تجتاح ترائبه، وجعلت منه شخصًا باردًا هامدًا لا يُبالي بشيء هي التي تحدد عمره، وأن السنين العِجاف ضيف ثقيل يكاد لا يرحل حتى يترك في النفس ما يهلكها ويدميها، وأنك ستبقى وحيدًا إن غابوا أخلّاء الروح، ولو أحيط بك مافي السموات وما في الأرض من مخلوقات، فوالله ليست كل القوافل تنتشل المرئ من غيابات جُب الحزن، ولا مال الدنيا وملكها يغنيك عن أحبابك، فإن شدّ الاحبة رحالهم إلى الموت، فإن السعادة تشد رحالها معهم، تبقى وحدك تناهد جيوشًا من الخوف حتى تتوقف فصول السنة عن التناوب على أيامك لتبقيك عالقًا في الخريف، فتظل عالقًا عند تلك الليلة.