عادة، لا يموت الشّعراء كما يليق بهم!
عادة، يغادرون كما تُغادر صفحةٌ، مزقّتها طفلة غاضبة، كتابا
أو يعلقون في الموت
كما تعلق طائرة ورقيّة صنعها طفل
بأسلاك الكهرباء
في آخر يوم من العطلة الصّيفّيّة
وقد يموتون كما تموت جلّ قصص الحبّ في بلدي…
لهذا مازلتُ أفكّر في خاتمة تليق بنهاية “شاعر”!
لو أجعلُه في آخر مشهد
يغرق في قصيدة عبقريّة جدّا لم تكتملْ
أو في امرأةٍ قصيدة
فهل سينفلتُ من ثقب ما ليخرُج في عالم آخر
نصف إله
أو نبيّا أو حقيقة مطلقة
أو لينبُتَ وطنا لا جوع فيه؟!!
لو أنّي أفعلُ
فمن يضمنُ لي أنّه لن يستنجدَ بأصابعه
فتًنقذُه من هذا الغرق الأسطوريّ
وبعد ذلك
يمضي إلى موت عاديّ جدّا
كأن يموت مختنقا بحذاء السّلطان؟
يموت الشّعراء؛
يموتون كأخبار عاديّة جدّا يمكن تناوُلها
مع حادثة اغتصاب مومس
أو مع خبر اتّفاقيّة سلام تمّت بين دولة عظمى وأخرى لم يبق في مخازنها غير الجوع و البرد.
ويموتونْ
خارج القصص/ داخل النّباح
ويموتون داخل أسمائهم الضّيقة كبناطيل “الفيزون”.
الآن،
في رأسي فكرة تضيء كموت شاعر مات بطريقة تلبق به!
إنّي أقترحُ أن نجعل من كلّ شاعر يموت: “نهرا”
و أن نُربّي،
على ضفّتيه،
غابة نخلقُها كلّما ماتت شاعرة!
ماذا لو جاء الحطّابون
فاحتطبوا الشّاعرة ليصنعوا منها:
ورقا وأقلام رصاص
أو تحفا خشبيّة صغيرة وملعب “غولف”
أو ماذا لو غضب النّهر فاقتلع الغابة؟!
سألني قلم رصاص حكيم
وهو يتحسّس عطرا،
نسيته على جسده العاري،
شاعرة كانت تمارس الحبّ،
مع رجل صادَفَتْهُ في الشِّعر،
بين أسطر قصيدة.
يموت الشّعراء كما تموت الشّاعرات
في غير مواسم الموت؛
يموتون و يَمُتْنَ
قبل أن تنضُج الثّمار على أصابعهم
وقبل أن تُعمّدَ اللّغة شفاهَهم
في نهر المجاز
فتصير قدّيسات أو حوريّات ضوء…
يَمُتْنَ و يموتون
دون أن تحتفل بهم الشّرانق،
دون أن يبوحوا بكلمات مهمّة تُصيبُ المشهد الأخير بالارتباك
ودون أن يتركوا ظلالهم في الطّرقات
وهكذا
لا يُبْعَثونَ من ميتاتهم فراشات ،
لا يَرْتَكِبُون آخر مشهد بجرأة اللّون الفاقع
فيموتون كما يموت الجميع.