ماذا يحدث في غزة

 

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

” مقدِّمة”

مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

الروائي نسيم قبها يكتب لنا من زوايته “ماذا يحدث غزة”؟

 

في أُسبوعها الثالث حرب الإبادة الصهيونية على غزة

الروائي نسيم قبها من فلسطين

 

1-حرب غزة تعوِّل عليها أمريكا للتهجير

كان المشهد الطاغي هو استِشهاد ما يَقرُب من خمسة آلاف مدنيّ مُعظمهم من الأطفال والنّساء، وأكثر من ألفي مفقود تحت الأنقاض، ودون أضرار تُذكر في بنية المقاومين.

يذكر الاحتلال أن هدف القصف هو الاستعداد للمرحلة الثانية، أيّ الحرب البريّة التي تأجّلت عدّة مرّات خَوفًا أو ورُعبًا، أو انتظارا لمكسبٍ على الأرض، ولكنه آت لا محالة، نتاجا لتصريحات الاحتلال ولحفظ ماء وجههم لفشلهم الأمني في السابع من الشهر الحالي.

إن السّيطرة الجويّة للاحتلال الصهيونازي بسبب ما يملكه من طائرات حربيّة أمريكيّة حديثة مثل “إف 16″ و”إف 15” والشّبح “اف 35″، جعل من المباني ملاعب مسطحة لأنه لا يقوى على فعل غير ذلك على الأرض، مع العلم أنه يركِّز على تسوية المباني في شمال القطاع من أجل التمهيد للدخول البري المحدود، إيذانا لخطّة التّهجير التي عوّلت عليها أمريكا وابنتها “إسرائيل” كثيرا، وكانت بمثابة “أهمّ الخطط” والمحور الرئيسيّ لهذه الحرب، ففشلت حتى الآن فشلًا ذريعًا، ولم ينجح أنتوني بلينكن في تسويقها للعواصِم العربيّة الحليفة، أو التّابعة خاصة مصر والأردن، ما يعني إغلاق هذا الباب، ورفض الغالبيّة السّاحقة من أبناء القِطاع مُغادرة أرضهم، وتكرار نكبة عام 1948، ولانعِدام الثّقة لديهم بالجُيوش أو الحُكومات العربيّة ووعودها، وقد يكون البعض منهم انتقل من شمال غزّة إلى جنوبها رُضوخًا للتّهديدات الإسرائيليّة بالإبادة، لكنّهم لن يتجاوزوا الحُدود إلى مِصر مهما تضخّمت المُغريات، وازدادت عمليّة التّطهير العِرقي الصهيونية الحاليّة شراسةً، ومعلومتنا أن أعدادًا كبيرةً جدًّا عادت إلى منازلها، أو رُكامِها، واختارت الشّهادة على النزوح أو اللجوء.

 

2-حرب غزة ستطول:

إن التّقارير الإعلاميّة التي نشرتها صُحف إسرائيليّة بأنّ حُكومة نِتنياهو بصدد إقامة مدينة خِيام في إيلات على البحر الأحمر لاستيعاب المُهجّرين اليهود من المُستوطنات ومُدُن غِلاف القِطاع مِثل سدروت وعسقلان وأسدود، هُروبًا من هجمات المُقاومة، ويبدو أن هذه التّقارير صحيحة، فإنّ هذا يعني أنّ انقَلاب السّحر على السّاحر، ومؤشرا على سقوط مفهوم الأمن القومي الصهيوني، وبالتالي ولادة حكومة برغماتية إسرائيلية تسير في المشروع الأمريكي لحل الدولتين، وهذا أبرز الإنجازات السياسية لعملية طوفان الأقصى.

إن صُمود أهل القِطاع، وبقاءهم على أرضهم كان لطمة للمشروع الصهيوني، فالتّهجير باتَ للمُستوطنين في جنوب فِلسطين وشِمالها، بالإشارة إلى تفريغِ أعدادٍ كبيرةٍ من المُستوطنات والبلدات في الجليل.

ولأن الولايات المتحدة تُعزّز جاهزيّتها العسكريّة في شرق البحر المتوسّط، بعد إرسالها ثلاث حامِلات طائرات، وعشَرات الأطنان من الذّخائر، وخاصّةً “أمّ القنابل” لتفجير الأنفاق تحت القِطاع، أعلن لويد أوستن وزير دِفاعها إرسال منظومات صواريخ “ثاد” و”باتريوت” والهدف مُزدوج، أيّ توفير الحِماية للمُستوطنين اليهود في فِلسطين المُحتلّة وطمأنتهم، وتهدئة روعهم، والدّفاع عن القواعد الأمريكيّة في المنطقة العربية القريبة من فلسطين، والتي باتت تتعرّض لقصفٍ شبهِ يوميٍّ بالصّواريخ من قِبَل أذرع محور المُقاومة، بعد تزايُد المخاوف من دُخول “حزب الله” وأنصار الله (اليمن) والحشد الشعبي في العِراق، هذه الحرب وتوسيع نِطاق هجَماتِها.

 

3-سقط قناع حقوق الإنسان الكاذب:

ما يُمكن استِنتاجه من كُلّ ما تقدّم أن مُعظم، إن لم يكن جميع، التّقديرات الإسرائيليّة لحرب غزّة، وما بعدها، لم تكن دقيقةً ، بل فاشلة، وجاءت نتائجها كارثيّة على دولة الاحتِلال، ما جعل أمريكا تأخذ الحيطة في وجودها في المِنطقة، فحركة “حماس” الذي تعهّد بنيامين نِتنياهو أكثر من مرّةٍ بتدميرها وإزالتها من الوُجود، ما زالت مُتَمتْرِسَةً في أنفاقها، وتُطلق الصّواريخ على تل أبيب، وسياسة التّهجير فقد جرى وأدها مُبْكِرًا، والشّيء نفسه يُقال عن قصف مُستشفيات وقتْل الأطفال والذَيْن دمّرا صُورة الدّولتين، أمريكا وإسرائيل، والغرب عُمومًا في العالم، ونزْع قِناع حُقوق الإنسان الكاذِب عن وجوههم حيث بدأ الرّأي العام العالمي يتغيّر، وباتت الحرب الإقليميّة هاجسا على الجميع.

ولعلّ أغرب ما يتمّ تداوله هذه الأيّام ما نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكيّة المُقرّبة من البيت الأبيض حول بحث القِيادة الأمريكيّة مع حُكومة نِتنياهو تشكيل حُكومة مُؤقّتة في قِطاع غزّة كبديلٍ لحُكومة حركة “حماس” وهذا حتّى قبل أن يبدأ الهُجوم البرّي.

قد يكون هذا التوجّه واقعيا في ظلِّ التغيرات التي بدأت تتشكّل من خروج حكومة اليمين الصهيوني عن الخدمة قريبا، وفي ظلِّ ويلات الناس في غزّة من الحروب المتكررة وفي ظلِّ دخول الثقل المصري والقطري على الخط، ما يعني أنّ وجود حماس كقوة حاكمة لن يكون بعد الحرب كما قبلها.

حرب غزّة ستطول قليلا، والحرب البريّة التي يُهَدّد بها نِتنياهو كُل يوم ستتأخر قليلا، لأنّها لا تريد مواجهة حرب شوارع غير معتادة عليها.

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!