أنا أتفرّج.. أنا موجود/بقلم:عيسى الشيخ حسن (سوريّة )

1
أنا لا آكلُ العِصِيّ
ولكنّي لا أعدُّها
فالّذي يأكلُ العصِيّ
هو أخي
أسمع صراخه
أسمع صراخه جيّدًا
حين قال: آخ
نعم، ناداني
آاااااااااااااااخ: قلتُ في سرّي
ورفعت في الفراغ
يدي المبتورة
رفعت آهتي لأسند بها يدي
.
لست جبانًا يا أمّي
ولكنّني عاجز
وبيتي بعيد
وأسند آهتي الأليفة
كلّما سالت في الفراغ
.
ونَبَتَت خلفها
يدان مبتورتان

2
البحر صديق ممكن
البحر عدو أكيد
.
بثلاث موجات يمكن رسم سفينة
“بلم” صغير
بغرقاه
وبجزيرته المنتظرة
.
بموجة واحدة
يمكن دفع سمكة
إلى اليابسة
.
لا أحد في “أمّ الفرسان” يحبّ البحر
لا أحد في يافا يعرف “أمّ الفرسان”
ولكنّ بلمًا صغيرًا
صغيرًا جدًّا
رسم زاوية حادّة في الماء
قلت لصديقي اليافاوي
في قريتي
نصنع بحارنا في الشتاء
.
كان هذا قبل أن يرسم الموج سمكة
سمكة عملاقة
سمكة ناشفة قال العجوز
سمكة قرش قال البحر
.
الطريق إلى يافا بعيد
قال عمّي قبل أن يموت
الطريق إلى يافا ممكن
قال خالي
بعدما رسم في تشرين بعيد
ثلاث موجات
وحسب
.
أنا الآن أنتظر الليل
لا لأكتب شيئًا عن قبيلتنا
أو قريتنا التي لا يعرفها أهل يافا
أو حتّى عن عمّي
ولكنّي أنتظر في الليل
في الليل دائمًا
مكتوبًا من صديقي اليافاوي

3
كان لدينا “أمل”
بضع حبّات
بذرناها مع “الرشاد” و”الملّيسا”
و”الفصّة”
يحتاج الأمل إلى ماء
إبريق واحد على الأقل
لا تغرقوه بالماء
قال العابر
.
الأمل عطشان
“الدنيا شتا”
أخاف أن يقتله الصقيع
ولكنّ المطر جاء
وفي مسكبة الأمّ
ثمّة “هبش” طويل
قال أبي: هاتوا لي “شويّة رشاد”
ألفّها برغيف
الرغيف صار مائدة
أكلنا وأكل أبي وأكلت المدينة
وما زالت العشبة الغريبة
تلك التي مضغناها مع خبز الصاج
تدلّني على الطريق إلى المدرسة
.
في المساء جاءنا ضيف غريب
واحتفينا به
وصنعنا له شاي الملّيسا
“خمط أخي” من طرف المسكبة عشبًا وجاء به
قال الضيف هذا شاي الوصول
وقال أبي هذا شاي الجنّة
وقلنا لهما هذا شاينا نحن
.
في الصباح
أطلقت أمّي الخراف في حقل الفصّة
.
كانت الفصّة على حالها
الملّيسا على حالها
الرّشاد كما هو
وجاء العابر ليٍسألنا عن الطريق
وعاد الضيف الغريب ولكن لم يعجبه الشاي
ومات أبي
وفي نفسه شيء من ذاك “الأمل”
.
ذبحنا خروفين
وبعنا البقية واحدًا واحدًا
في “موقف الغنم”
وفي عيوننا نقمة
“لماذا هدّت” في الأمل
زرّ أخي “البوط”
وغرّب “ع العسكريّة”
توسّلنا إليه
من أين خمطت العشب
نريد أن نشرب شايًا
يذكرنا بك
.
بضع حبات لا أكثر
في ذلك الشتاء البعيد
ولكنّ يد أمّي
دسّتها في مسكبة الصبر
ولكنّ خرافها
هدّت في العشب المجنون
.
أقول لصديقي اليافاوي
لا يحتاج الأمل كثيرًا من الوقت
“بذرتين.. وشويّة تراب”
فينظر إليّ مبتسمًا
ويداه عاليتان
مثل شجرة

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!