إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الباحث هاني علي الهندي يكتب لنا من زوايته “ماذا يحدث غزة”؟
غزة شوكة في حلق الغزاة
هاني علي الهندي/باحث من الأردن
1-أثبت الشعب الفلسطيني تمسكه بأرضه:
شهدت مدينة غزّة العديد من الصراعات عبر التاريخ، وتعدّدت الصراعات عليها من قبل المصريين القدماء والفرس والأنباط والرومان، وظلّت غزّة تقاوم الغزاة حتى فتحها العرب المسلمون، واحتلها الصليبيون حتى استعادها صلاح الدين الأيوبي، دخلت المدينة تحت حكم الدولة العثمانية في القرن السادس عشر حتّى سنة 1917 عندما استولت عليها القوّات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1967 احتلّها جيش الدفاع الصهيوني، وظلّت غزّة تقاوم وتقاوم وتوجِّه الضربات الموجعة لجيش الاحتلال الذي قرَّر التّخلِّي عنها والانسحاب منها عام 2005. ومع ذلك خاضت المقاومة عدّة معارك مع الكيان الصهيوني، وآخرها قامت حماس بهجومها المباغت صبيحة اليوم السابع من تشرين الأول 2023 في عملية أطلق عليها (طوفان الأقصى) كبّدت العدو أكثر من 1300 قتيلا وثلاثة آلاف جريح في يومها الأوّل، كما تمكّنت من اقتحام المواقع الصهيونية وتطهيرها وأسر عدد كبير من جنود الاحتلال، هذه العملية التي أذهلت العالم كشفت العديد من الحقائق منها:
1ـ اسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر أمام مقاومة بأسلحة خفيفة.
2ـ هشاشة المجتمع الصهيوني وحالة الرعب التي عاشها داخل المستعمرات نتيجة لفقدانهم الأمن والاستقرار.
3ـ فشل جهاز الاستخبارات الداخلية الاسرائيلية (شين بيت) في تقدير القوة العسكرية للمقاومة.
4ـ انخفاض ثقة الشارع الاسرائيلي بالحكومة ورئيسها ومؤسسات الكيان الصهيوني.
5ـ كشفت عن الوجه الحقيقي لأمريكا في عدائها للشعب الفلسطيني بوضوح، وتأييدها لدولة الكيان الصهيوني من خلال تحريك حاملة الطائرات الأمريكية إلى الشرق الأوسط بعد أربعة أيام من اندلاع عملية (طوفان الأقصى)، وهذا ما صرح به المتحدِّث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (باتريك رايدر)، وما زيارة (جو بايدن) واجتماعه بـ(بنيامين نتنياهو) إلا لكسب الصوت الصهيوني في الانتخابات الأمريكية القادمة، وطمأنة الصهاينة على أنّه يقف إلى جانبهم.
6ـ كما كشفت المعركة عن قدرة وقوة استخبارات المقاومة.
2- تنخفض ثقة الشارع الإسرائيلي بحكومته:
ماذا يجري في غزة…؟
كان الهجوم المباغت ودون سابق إنذار في عملية طوفان الأقصى صفعة قوية لقيادة الكيان الصهيوني، وإهانة مُذلّة للاحتلال وأجهزته الأمنية والاستخبارية لن تُمحى طوال سنوات قادمة، وعليه تسعى قيادة الاحتلال إلى إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، من خلال توجيه ضربات موجعة للمقاومة والتخلص منها نهائيا، وعليه توعّد نتنياهو خلال بيان إعلان الحرب الذي ألقاه أمام الكنيست، بسحق حركة حماس بمحوها من على وجه الأرض، وهذا لن يكون إلا باتباع سياسة الأرض المحروقة في مربعات سكنية واسعة، وبالفعل شنّت القوات الإسرائيلية غارات جوية وحشية على غزة بهدف إجبار الشعب الفلسطيني النزوح من غزة وتفريغها من أصحابها كما حدث عام 1948، ولذلك أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن فرض حصار كامل على غزة يشمل منع وصول الغذاء والماء والوقود، مع استمرارية قصف الأحياء السكنية على رؤوس أصحابها.
هل كلّ هذا يأتي مقدمة لبدء العدوان البري…؟
ما زال جنود الاحتلال يتذكرون ما حصل في حرب 2014 من تفجير عبوات ناسفة بالجنود المتوغِّلين في حيِّ التفاح والشجاعية وأسر الجندي شاؤول أرون، فهل إصرار القيادة الصهيونية على الاجتياح البري ليمتص حالة الغصب الداخلي في الشارع والمجتمع الصهيوني…؟ وهل هذا الاجتياح سيكون كاجتياح بيروت عام 1982…؟!
3-غزة تاريخيا وعبر مختلف العصور تقاوم المحتل:
في حالة الهجوم البري الذي يهدِّد به نتنياهو فإنه سيواجه مقاومة شرسة، وستكون استراتيجية الأنفاق والكمائن والمخابئ جزءا حيويا في العملية القتالية، ولا يغيب عن البال حرب الشوارع التي بالتأكيد تأخذها المقاومة بعين الاعتبار، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من القناصة مدربين تدريبا جيدا.
فهل هذا ما أخر الهجوم البري…؟
حسب توقعاتي استبعد القيام بالهجوم البري لعدّة أسباب منها ما ذكرتها بالإضافة إلى تخوّف قادة الكيان الصهيوني من دخول حزب الله الحرب وفتح جبهة في شمال فلسطين، خاصّة أن المسؤولين الإيرانيين حذروا من أنّهم قد يضطرون إلى اتّخاذ إجراءات إذا استمرت الهجمات على غزة.
إضافة إلى الحالة النفسية التي يعاني منها جنود جيش الاحتلال بعد عملية (طوفان الأقصى)، والضغط الأمريكي لتجنّب الخسائر في صفوف المدنيين، والمخاوف بشأن سلامة الرهائن الإسرائيليين في غزة.
بصرف النظر عن نتائج هذه المعركة، فقد أثبت الشعب الفلسطيني ثباته وتمسّكه بأرضه ومقاومة المحتّل حتّى التحرير، وإنّ للنصر والحرية ثمنا لا بد منه وأن الشعب الجزائري البطل قدّم أكثر من مليون شهيد في سبيل حريته واستقلاله، نعم انتصرت المقاومة رغم تعتيم الإعلام الصهيوني الذي يغطي على حجم الدّمار داخل المستوطنات والحالة النفسية التي انعكست على جنود الاحتلال جرّاء قصف المقاومة لفلولهم وحالة الهلع والرّعب داخل المجتمع الإسرائيلي والانهيار الاقتصادي والهجرة المعاكسة. كل ذلك يتستر عليها الإعلام الصهيوني بهدف رفع معنوياتهم وتضليلهم وإظهارهم بأنّهم من يسيطر على المعركة. لذا أدعو الإعلام العربي والفلسطيني بنشر الأخبار والفيديوهات التي تُظهر حجم الخسائر الصهيونية. ونشر حالة الهلع والخوف التي يظهر فيها الجندي الصهيوني والمجتمع الصهيوني من صواريخ المقاومة وبسالة المقاوم الفلسطيني. لا تنتظروا من المجتمع الدولي الذي تهيمن عليه الصهيونية أن ينتصر لكم، لا تنتظروا من هيئة الأمم أو مجلس الأمن أن ينصفكم لن ينصفكم إلا البندقية بين أيديكم والحرب النفسية التي تزرعونها داخل المجتمع الصهيوني. توقفوا عن نشر الهلع والخوف بين صفوفكم بنشر الفيديوهات والتباكي على ما يجري. فالحرية لها ثمن وتحرير فلسطين له ثمن. ورحم الله الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي قال:
يا أمّة لخصوم ضدها احتكمت كيف ارتضيت خصيماً ظالماً حكـــــــــــــــــما
بالمدفع استشهدي إن كنت ناطقة أو رُمت أن تسمعي من يشتكي الصمما
ســــلي الحوادث والتاريخَ هل
عرفا حقاً ورأيا بغير القوة احتُرما
لا تطلبي من يد الجبار مرحمة
ضعي على هامة جبارة قدما.