آفاق حرة
حاوره : محمد صوالحة
الغريبي : لا أحد يخلق المبدع الحقيقي غير موهبته..
أن الناقد كالطبيب يحتاج الناس إليه أكثر كلما انتشرت الأدواء
كيف لنا ان نقرأ بطاقة الاستاذ سعد الغريبي ؟.
سعد عبدالله الغريبي
مواطن عربي..
تربوي بحكم المهنة ولغوي بحكم التخصص وأديب بحكم الهواية..
انت والشعر كيف بدأت الحكاية ؟.
كان أبي معلما لديه مكتبة قيمة، وكثيرا ما تمتد يدي إلى ما كان يقرأ بعد أن يتركه من كتب ودواوين.
في المرحلة الثانوية وفقت بمدرسين للغة العربية شعراء أحببت الشعر من خلالهم، وفي قسم اللغة العربية بالجامعة أدركت أني قد تجاوزت مرحلة الخربشات وأن لدي ما يستحق عرضه على أساتذتي.. كان لي صديق له مقطوعات عامية مغناة وكاد يجرفني إلى هذا التيار فقد بدأت بكتابة الأغاني ثم عدلت عنها إلى الشعر الفصيح (العمودي والتفعيلة) بعد أن أصبح لي شعراء مفضلون اقتنيت دواوينهم وقرأت لهم عن قصد، ومن هؤلاء الشابي وأبو ماضي وأحمد الصافي النجفي.. ولشغفي بأم كلثوم فقد حفظت كثيرا من قصائدها المغناة لشوقي وعبدالله الفيصل والهادي آدم وإبراهيم ناجي وجورج جورداق وتعلمت من هذه القصائد عروض الشعر وأوزانه وأصبحت لدي أذن موسيقية قادرة على اكتشاف الكسر في البيت لحظة سماعه..
طبعت في وقت مبكر كتابين أحدهما في اللغة والآخر في الأدب لكني لم أنشر ولم أطبع شيئا من شعري لقناعتي أن ما أكتبه شعر وجداني خاص بي لا علاقة للآخرين به، حتى وجدت نفسي في عصر النشر الإلكتروني فنشرت في مدونتي (الملاح التائه) ضمن مدونات (مكتوب) ثم رأيت أن أوسع قاعدة قرائي فاقتحمت النشر الورقي.
المتابع للأستاذ سعد الغريبي يجده بعد قطع شوط طويل في التجربة الشعرية اتجه للرواية والنقد وهناك بعض الكتابات في ادب الرحلات؟.
كنت أكتب الخاطرة والقصة القصيرة جنبا إلى جنب مع الشعر وطبعت كتاب (حديث الشفق) وهو عبارة عن خواطر، وكتاب (لكل شاعر حكاية) وهو كتاب قصصي يروي حكايات بعض الشعراء.
أما الرواية فكنت وما أزال عاشقا لقراءتها لأني أرى فيها عرضا لحياة لم ندرك كنهها بالرغم أننا قد نعيش أحداثها أو كما يقول شكري مبخوت: “الشعر تمرين بلاغي بينما الرواية هي أم الحقيقة الإنسانية العميقة”..
واقتحام مجال الرواية كتابة يحتاج إلى أدوات أهمها خبرة ثرية في الحياة (ليس بالضرورة أن تكون طويلة) وحينما وجدت أن لدي ما يمكن أن أضيفه لهذا العالم كتبت الرواية..
ولا أجد تعارضا ألبتة بين كتابة الشعر والرواية بل بالعكس أجد أن الشاعر أقدر من يكتب الرواية، لأن الرواية تعتمد – كما الشعر – على الخيال.
والمذكرات السياحية هي خواطر سجلت فيها انطباعاتي عن بعض ما زرته من بلدان والمواقف التي مررت بها بحكم ولعي بالرحلات السياحية واكتشاف أجزاء من العالم لم يزرها الكثيرون ولم يكتبوا عنها ولذا فقد اقتصرت على المواقف الغريبة والأماكن غير المعروفة لعامة الناس..
أما النقد فليس لي سوى قراءات لبعض الكتب التي تستهويني وأجد لدي الوقت للكتابة عنها، وغالبا ما أكتب بطلب من أصحابها الذين يودون معرفة رأيي فيها فأبديه مكتوبا. ولا أظنه يرقى إل مستوى النقد ولا أعد نفسي ناقدا..
تعرفنا إليك من خلال العالم الافتراضي بداية في مدونات مكتوب ثم انتقلنا للفيسبوك بعد اغلاق المدونات… ما الفرق بين المدونات والفيسبوك علما بأن التواصل المباشر عبر الفيس بوك اسهل؟.
كلا المدونات والفيسبوك مجالس إلكترونية لكن الفرق بينهما أنك في المدونة تحتار من يتابعك ومن تتابعه ويكون عدد هؤلاء محدودا بحيث تستطيع متابعة كل من نَشر وقراءة ما نشره والتعليق عليه وكذلك هم يفعلون مع ما تنشر.
ويكون النقد الحقيقي هو الغالب فتختفي المجاملات وكلمات الإعجاب الجوفاء بحكم أنك اخترت من يتابعك ومن تتابعه.. أما الفيسبوك فهو أشبه ما يكون بالشارع العام أو (الحراج) فالكل ينوه عن بضاعته ويرجو من المارين ولو إلقاء نظرة على ما لديه ولا يقبل أن تعيب بضاعته!
انقسم المثقفون حول مواقع التواصل الاجتماعي فمنهم من قال انها قتلت الابداع وخلطت الغث بالسمين … والبعض الاخر دافع عنها كوسيلة ارخص من طباعة الكتب وانها عرفت بالمبدع اكثر من اية وسيلة اخرى فالى اي الموقفين ينحاز الاستاذ سعد؟.
أنا مع الفريقين، فهي خلطت الغث بالسمين وأصبح معظم من لهم صفحات على الفيسبوك شعراء وقصاصا بشهادة محبيهم، وكل ما ينشر هو شعر بدليل علامة الإعجابات والتعليقات.. لقد اختفى النموذج الذي يحتذى والناقد الحصيف.. وهنا تكمن الخطورة لأن من يملك موهبة الإبداع لا يجد نموذجا يقتدي به ولا معلما يأخذ بيده وقد يستعجل الوصول عندما يرى الطحالب قد غدت أشجارا! ناهيك عن السطو على حقوق المبدعين الحقيقيين إما بإعادة نشر إنتاجهم دون تسمية أصحاب النصوص أو نسبة النصوص لسارقها!
وهي من جهة أخرى قاربت بين المبدعين في أنحاء الوطن العربي والمهجر وعرفت القراء بهم وجعلتهم يتحدثون معهم ويحاورونهم.. وبعبارة أخرى استدعت المبدعين من أبراجهم أو صوامعهم أو سراديبهم إلى العامة ولم يخسر إلا من لم يلبِّ النداء!
هل لك ان تطلعنا على تجربتك الشعرية والى اين وصلت؟. وهل انت راض عنها؟.
تجربة متواضعة لم تصل بعد ولولا أن الناس يطلقون علي لقب (شاعر) بحكم دواويني و(كاتب) بحكم مؤلفاتي لما صرحت بأني شاعر وكاتب.
أما الرضا فأجده كلما أنهيت كتابة نص وكلما نشرته وكلما ألفت كتابا وكلما نشرته.. قد يكون رضا عن الإنجاز وليس عن العمل نفسه.. لكن الرضا الحقيقي أجده في عيون المتابعين وكلماتهم المنطوقة أو المكتوبة..
كناقد اين انتم من فرز المنتج الابداعي … واين انتم من تشجيع المواهب الشابة التي تبحث عمن يأخذ بيدها؟.
مع مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد أحد قادر على فرز المنتج الإبداعي.
لكن ما أحزن عليه هو انتقال بعض الكتابات الفيسبوكية إلى كتاب مطبوع مفسوح من وزارة الثقافة بمعنى أن يتحصل الكتاب والكاتب على لقبي (مؤلِّف) و(مؤلَّف) بكسر اللام في الأولى وفتحها في الثانية.. والمفروض أن تكون هناك لجنة في الوزارة للتأكد من استحقاق الكتاب لتسميته كتابا وليس – فقط – للتأكد من خلوه مما يخالف الثلاثي المعروف (العقيدة والسياسة والجنس)
أما حماستي لتشجيع المواهب الشابة فلعلك تعرفها يا أبا صخر منذ أيام المدونات فأحمد الله على أن أفدت الكثير ممن استشارني واستعان بي ولا أزال إلى يومنا هذا أفرح حين يطلب مني أحد رأيا أو مشورة أو تصويبا مع أني فقدت الكثير ممن أخذت بأيديهم للطريق الصحيح إما استغناء على طريقة (أعلمه الرماية كل يوم) أو تذمرا كما يتذمر التلميذ من معلمه!
يقول البعض ان تراجع الحركة النقدية بالأساس هو بسبب تراجع الحركة الابداعية في صنوف الادب فلا نقد بلا ابداع فما هي وجهة نظرك بهذا الموضوع؟.
يقول الشاعر محمد حلمي الريشة: “إذا كان دور النقد الأدبي الحديث للشعر بأن يسلط الضوء عليه فلا داعي لهذا لأن الشعر مضيء ذاتيا، وإذا كان دوره الشرح فإنه بهذا كمن يفتت وردة بحثا عن مصدر رائحتها التي لن يدركه أبدا، وإذا كان دوره التفسير فإنه كمن يفسر الماء بالماء”!
وأقول: إذا كان النقاد لا ينقدون إلا النصوص الإبداعية المتميزة فالمقولة التي أوردتها صحيحة، لكن – في اعتقادي – أن الناقد كالطبيب يحتاج الناس إليه أكثر كلما انتشرت الأدواء ولا أظن أن الناقد سيجد سوقا رائجة كما هي الآن، فالأدب المعطوب يحتاج إلى من يصلحه والمعوج يحتاج إلى من يقومه..
الشللية … وغياب النقد الموضوعي المبني على اسس صحيحة هل تراه سببا في ظهور هذا الكم من الاصدارات التي لا تحمل شيئا من الابداع … وان بعض النقاد لمعوا اسماء لا تستحق واحبطوا مبدعين حقيقين ؟.
سأبدأ بالإجابة عن هذا السؤال من الفقرة الأخيرة لأقول إن المبدع الحقيقي لا أحد يحبطه وسيفرض نفسه إن عاجلا أو آجلا.. أما الشللية فهي لا شك وراء إيهام أنصاف الموهوبين – بل من لا يملك موهبة أصلا – بأنهم ليسوا أقل من غيرهم، ويزينون لهم نشر نتاجهم ويسهلون لهم المهمة لا سيما حين يكونون في موقع المسؤولية عن النشر، والمصيبة العظمى حين يكون نشر نتاج هؤلاء على حساب المساحات المخصصة للمبدعين الحقيقيين..
الرواية العربية كيف تنظر اليها كروائي وناقد والى اين وصلت؟.
أرى محاولات جادة لجر الرواية إلى ساحة الأدب الحداثي وما بعد الحداثي، فالرواية اليوم أصبحت تنافس النثيرة في الاتكاء على الغموض والانزياحات اللغوية على حساب الفكرة والمغزى والشخوص والأحداث، كما أصبح تصوير المجتمع مدخلا لاقتحام عالم الايحاءات؛ بل والمشاهد الجنسية.. وأصبحت الرواية الاجتماعية الخالية من كل ما ذكر رواية تقليدية لا تساير زمن الحداثة وما تلاها..
برأيك هل المهرجانات والامسيات تخلق مبدعا؟.
قد لا تخلق مبدعا لكنها تتيح الفرصة لأن يتعرف الجمهور على المبدعين عن كثب بشرط أن يكون هناك انتقاء في المشاركين ولا تطغى المجاملات في توجيه الدعوات كما هو السائد الآن في معظم المهرجانات..
ما رأيك بالمسابقات الادبية المنتشرة في عالمنا العربي وهل هي حافز لخلق ابداع؟.
هناك مسابقات رصينة رفيعة المستوى سواء منها الحكومية أم غير الحكومية مثل جوائز البابطين والملك فيصل وسوق عكاظ وجائزة حسن عبدالله القرشي وغيرها وهذه تعد مكافأة للمبدع واعترافا به.. أما المسابقات الفيسبوكية والصالونات الأدبية فالكثير منها لتلميع صاحب المسابقة أكثر منها للاعتناء بالمبدع..
وخلاصة القول: لا أحد يخلق المبدع الحقيقي غير موهبته..