يرسل لك نكتة سمجة يتلوها بحكمة نادرة ثم بمقطع لأغنية تراثية ثم بمقطع تمثيلي هزلي، ومن ثم يرسل لك موعظة تذرف منها الدموع، وما يلبث أن يرسل لك إشاعة لا مصدر لها يتلوها بخبر لم تبق وكالة من وكالات الأنباء إلا أذاعته!
لا تعجب فهذا لا يملك من العبقرية والإلهام ما يجعله قادرا على استيعاب كل هذه المتناقضات، فهو لم يستوعبها أصلا وكل الذي عمله أن تلقاها من سابق وأعاد إرسالها لك دون أن يقرأها أو يدري ما محتواها، ولو أنه تمعن فيها لاستفاد من مفيدها وحذف سيئها، ولعلم أن كثيرا مما أرسله لك لا بد أنه وصلك من أكثر من طريق أو أنه لا يعنيك في شيء؛ لا من قريب ولا من بعيد!
منذ أن خرجتْ علينا وسائل الاتصالات الحديثة ببرنامج (الواتس أب) وأنا أعجب من هؤلاء الذين لم يعلموا حتى الآن ما وظيفته أو لماذا اخترعه من اخترعه، وليتهم إذ تصدروا العالم المتمدن في استخدامه تمكنوا من معرفة أهداف صانعه!..
يوما ما أرسلت لأحدهم رابطا لمقال لي يهمني أن يقرأه، لأن موضوع المقال كان نتيجة لحوار دار بيننا من قبل، فوجدته يرسل لي بعد دقائق نكتة عن ثلاثة من الحشاشين، فرددت عليه: ألم يكن من هؤلاء الحشاشين من قرأ مقالتي فتسعفني برأيه؟!
وذات مرة أرسلت لأحدهم مقالا مماثلا فجاء الرد بموعظة دينية، مما جعلني أراجع مقالي خشية أن يكون فيه ما يستدعي مناصحتي من الأخ الكريم، ولما لم أجد أرسلت لصاحبي أستفسر منه إن كان ما أرسل لي له علاقة بما أرسلته له، ففاجأني بقوله إنه لم يطلع على مقالي بعد!
لا أُحمِّل أي قاصر – سنا أو فكرا أو ثقافة – أية مسؤولية في سوء استخدام (الواتس أب) فقد يكون جاهلا بوظيفته، أو أنه فهم أن العبقري الذي اكتشفه إنما فعل ذلك من أجل تسلية أمثاله من الشباب والمراهقين، أو أنه لا يعدو أن يكون لعبة من الألعاب الكثيرة التي تعج بها برامج الأجهزة الذكية، لكني لا أتسامح مع أي مثقف يظن أنه يفيدني أو يسليني بما يرسله لي من مقاطع وصور جاهزة!
والأدهى من ذلك أن يُنشئ طائفة من الناس – بحسب العلاقة التي تربطهم – مجموعة (واتسبية) لتبادل المعلومات والتواصل فيما بينهم، وتجد مجموعاتهم تنزلق فيما ذكرته قبل قليل من قص ولصق أو إعادة توجيه لكل ما يستقر في ذاكرة أجهزتهم، حتى تحايا الصباح والمساء وتبريكات الجمع كلها صور مستدعاة من (جوجل) وكأننا عاجزون عن إنشاء جملة أو جملتين نحيّي بها من أردنا تحيته بكل وعي وقصد!
ومما له صلة بهذا الموضوع أن تفتح جوالك ذات صباح وأنت تقول: “أصبحنا وأصبح الملك لله”؛ لتفاجأ بسيل من المراسلات التي لا تنتهي ومن أرقام لا تعرفها، وحين تتأمل هذه الرسائل تجد حوارا وصل في حدته إلى حد العراك فتحمد الله أن كلا من المتعاركين في بلد وإلا لسمعت اللكم والصفع، وبينا أنت مستغرق في هذه الخلطة العجيبة من الآراء ترفع عينك إلى بداية الرسائل فتجد عبارة: “أضافك فلان إلى مجموعة (المزعجون)” فتبحث عن أيقونة (مغادرة المجموعة) لتدوس عليها بإبهامك وأنت تتنفس الصعداء!
هل انتهى الإزعاج إلى هنا؟ لا .. بعد قليل تجد رئيس (المزعجين) يدخل على صفحتك الخاصة ليقول لك: “لماذا خرجت”؟!
من يتطوع بإجابته نيابة عني؟!