احْتَارُ مَا بَيْنَ السُّطُورِ
وَكَأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا يُذْكَرُ
أَوِ اسْمًا مُحَدَّدًا بِحُرُوفٍ تُكْتَبُ.
أَنَا مَا بَيْنَ السُّطُورِ أَتُوهُ
وَأَرَى السَّمَاءَ الزَّرْقَاءَ تُطِلُّ بِنُجُومِهَا،
وَمِنْ عَلَى الشَّجَرِ الأَخْضَرِ
تُغَرِّدُ عَصَافِيرُ الجَمَالِ.
وَأَنَا بِلَا وَطَنٍ يَحْتَضِنُ مَا تَبَقَّى
مِنْ حُرُوفٍ تَبْحَثُ عَنِّي.
كَلِمَاتٌ لَيْسَتْ كَالكَلِمَاتِ،
نَغَمَاتٌ لَيْسَتْ كَالنَّغَمَاتِ.
إِنَّهَا خَلَجَاتُ قَلْبٍ مَكْلُومٍ
غَارِقٍ بِالهُمُومِ.
أَتُرَانِي أَبْحَثُ عَنِّي؟
عَنْ وَطَنٍ يَلْهَثُ وَرَاءَ الذِّكْرَيَاتِ،
يَنُوحُ بِحُقُولِ القَمْحِ المُحْتَرِقَةِ
وَفِي يَنَابِيعِ المِيَاهِ الجَافَّةِ.
يَلُوكُهُ الجُوعُ وَالعَطَشُ
وَالحِرْمَانُ.
لَيْتَنِي كُنْتُ قَطْرَةَ مَاءٍ فِي مَكَانٍ مَا
لِتُرْوِيَ دُودَةَ الأَرْضِ الَّتِي تَحْتَضِرُ
أَوْ حَبَّةَ قَمْحٍ تَحْمِلُهَا عَصْفُورَةٌ
لِإِنْقَاذِ حَيَاةِ فَرْخِهَا الجَمِيلِ.
لَيْتَنِي كُنْتُ كَذَلِكَ،
وَلَكِنَّنِي بِلَا فَائِدَةٍ،
كَغَيْرِي مِنَ البَشَرِ،
نَبْحَثُ عَنْ مَصَالِحِنَا
وَنَتَجَاهَلُ وَاجِبَاتِنَا،
وَكَأَنَّنَا خُلِقْنَا
لِتَدْمِيرِ بَعْضِنَا.
أُوَاهُ
مِنْ هَذَا الزَّمَانِ
الَّذِي لَا دَخْلَ لَهُ
فِيمَا نَعْمَلُهُ بِأَنْفُسِنَا،
سَبَبُ جَهْلِنَا وَأَنَانِيَّتِنَا
نَحْنُ البَشَرُ.
أَوْرَاقُ أَعْمَارِنَا مَزَّقَهَا الحُزْنُ
وَالضَّجَرُ،
اليَأْسُ بِالمُكُوثِ خَلْفَ الجُدْرَانِ المُلْتَهِبَةِ،
جعلتها مُحْتَرِقَةً،
تَصْرُخُ فِي ظَلَمات أَنْفُسِنَا البَائِسَةِ.
أَنَا مَنْ أَنَا؟
إِنْ لَمْ أَكُنْ شَيْئًا يُذْكَرُ
فِي حَيَاةِ النَّاسِ الغَارِقَةِ
فِي مَتَاهَاتِ الصِّرَاعَاتِ
وَالأَزَمَاتِ وَالحُرُوبِ.
وَلَوْ بِكَلِمَةِ حَقٍّ أَوْ نُصْحٍ
أَوْ تَوْجِيهٍ،
حِينَ أَجِدُهُمْ يَتَخَبَّطُونَ فِي مَتَاهَاتِ
الحِقْدِ وَالانْتِقَامِ وَالتَّمَزُّقِ.
أَجِدُني عَاجِزَةً وَمُقَيَّدَةً،
وَبِهَذِهِ الحَالَةِ لَا اسْمَ لِي وَلَا وَطَنَ.