( تولد القصيدة من غيمة تُسلم إلى خيبة تفضي إلى غيبة راسخة في الحياة )
إن سرتَ وحدك بعد موت رياحهم
وهمود أرواح خُدعتَ بضوئها
إن سرت وحدك ملءَ روحك وانتصرت على حنينك للسّراب وخنتَه
إن سرتَ مأخوذا بذكرى الوردة الأولى
وبنصل آخر الوردات يرتع في دماكَ
فاجمع غيومك كلّها
واخلع حروفكَ عن حدائق لا تراكَ
ملحٌ روابيها ونارٌ ضفّتاها
لا تنتظر منها ضياء أو أريجا
خذلتك أرض قبلها
ومضت تسلّم للغريب نُضارها وثمارَها
خذلت يديك وشرّدتك
خذلتك فيها طوائفُ
قتلوك إذ عاجوا عن النّبع الذي فجّرتَ منه صباحهم
ذبحوا العنادل وهي تشدو في يديك
ومضوا يحُدّون النّيوب ويرقصون
* * * * *
ما زلتُ أذكر كيف ضجّوا حول ظلّي وهو يعلو في الدّماء
صخبوا وداروا حول ضوء الظلّ يطلع من دمي
رقصوا جنونا كالضّفادع فانتبهتُ
كانوا جميعا من عرفت على الطّريق ومن وضعتُ
كانوا دخانا في صباحي
أو صدى وجع تمكّن من خطاي فغلّني
سمّيتُهم… وطلبتُ رائحةَ الغمام على الطّريق
فلم تردّ لي الرّياح سوى الرّدى:
هذي وتلكَ وهؤلاء … وأنتمُ
واللاّهثون بلا عيون في الرّماد وفي الوَحلْ
الحاضرون الغائبون ، النّاطقون الصّامتون ، الرّاكضون الجامدون
والرّابضون كما العناكب في المُقلْ
هنّ وهُمْ… والذّاهلون
وكلّ من أكل المسيرُ وغربلت ريح الطّريقِ من الغمامات السّرابِ
ومن خناجر في القبلْ
* * * * *
سكت العواءُ…
نامت ذئابُ الحيّ سكرى فوقَ ظلّكَ
خنستْ جموع كنت ترقبُ بعثَها
سكتت بلاد فانتفضتَ على بذاءة صمتها
ومشيتَ وحدكَ في عُلاكَ بلا ظلال أو ضياء أو سماءْ
ها أنت وحدكَ… لولا هذا الطّير يهمس في المدى ويقول لكْ:
كم أنت مخفيّ وعارٍ كالحقيقةِ
لا صوت يكسرُ ما كسبتَ من الوقار
ولا خيانةَ في الصّدى
كم أنت مكتظّ وخاوٍ
لا غياب ولا حضور
مُذ صرتَ ذكرى في الكلام
مُذ صرتَ جمعاً مُفردَا.
الشّاعر: لطفي الشّابّي/ تونس
من ديوانه: نصف قمر على ليل الحديقة
أفريل 2015
كلّ الشّكر لمن دلّ القصيدة على النّبع… شكرا بلا ضفاف للمخلصين الأوفياء.
اهلا بك اخي الكريم لطفي الشابي دوما في آفاق حرة
كلّ التّقدير شاعرنا وأديبنا لطفي الشابّي، ومرحبا بنصوصك في آفاق حرّة