راجعة : سوسن عبّود
ازدحمت المشاغل هذا الصباح حوالي الساعة الثامنة والنصف عندما وصل رجل مسن في الثمانين من عمره ليزيل آثار الخياطة الجراحية عن إبهامه . قال أنه على عجل لأنه على موعد في تمام الساعة التاسعة صباحاً . أخذت المعلومات الهامة التي تخصّه وطلبت منه أن يجلس . كنت أعلم أن الأمر سيستغرق أكثر من ساعة حتى يتمكن أحد من مقابلته . رأيته ينظر إلى ساعته بإلحاح , وبما أنني لم أكن مشغولة بمريض آخر فقد قررت أن أتفحص جرحه . وأثناء المعاينة , كان الجرح ملتئماً بشكل جيد , لذلك تحدثت مع أحد الأطباء وأحضرت المعدات اللازمة لإزالة خيوط الجراحة وتبديل ضماد جرحه.
وبينما كنت أعتني بجرحه , دفعتني العجلة التي كانت تبدو عليه أن أسأله إن كان لديه موعد مع طبيب آخر هذا الصباح . فأجابني الرجل بالنفي ولكن عليه أن يذهب إلى دار العجزة لتناول طعام الفطور مع زوجته . استفسرت منه عن صحتها فأخبرني بأنها هناك منذ فترة طويلة وأنها كانت إحدى ضحايا مرض الزهايمر .
وبينما كنا نتحدّث , سألته إن كانت ستنزعج إن تأخر عنها قليلاً .فأجابني بأنها لا تعرف أبداً من يكون , وأنها لم تعد تعرفه منذ خمس سنوات حتى الآن . وقد دُهشتُ جداً , وسألته : ” أما زلت تذهب كل يوم على الرغم من أنها لا تعرف من تكون ؟ ”
ابتسم وربّت على يدي وقال:”هي لا تعرفني , ولكنني أعرفها من تكون ”
وكان عليّ أن أخفي دموعي ريثما يذهب , اجتاحني شعور غريب ومثير لا أدري كنهه , وعندها فكرت أن هذا هو ” الحب الذي احتاجه في حياتي ” . الحب الحقيقي ليس جسدياً ولا رومانسياً . الحب الحقيقي هو قبول لكل الأشياء التي كانت وستكون ولن تكون .
ليس بالضرورة أن يملك الناس الأكثر سعادة الأفضل من كل شيء , هم فقط يستثمرون الأفضل من كل ما يمتلكون . ويرقصون في المطر.